على الصحيح أنها الصلاة الوسطى، وبها تختم الصلوات. واعترض النووي لابن عبد البر في قوله: فعلى هذا يكون حكم من فاته الصبح.. إلى آخره، فإن غير المنصوص إنما يلحق بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتركا فيها. قال: والعلة في هذا الحكم لم تتحقق فلا يلحق غير العصر بها. انتهى. قلت: لقائل أن يحتج لابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعا: (من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته...) الحديث، ورد بأن في إسناده انقطاعا، لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء، وقد روى أحمد حديث أبي الدرداء بلفظ: (من ترك العصر)، فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر. قلت: روى ابن حبان وغيره عن نوفل بن معاوية مرفوعا: (من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله). وقد ذكرناه عن قريب، وهذا يشمل جميع الصلوات المكتوبات، ولكن روى الطبراني هذا الحديث أعني حديث الباب من وجه آخر، وزاد فيه عن الزهري: (قلت لأبي بكر يعني ابن عبد الرحمن، وهو الذي حدثه به ما هذه الصلاة؟ قال: العصر). رواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر، فصرح بكونها العصر في نفس الخبر، ورواه الطحاوي والبيهقي من وجه آخر فصرحا بكونها العصر في نفس الخبر، ورواه الطحاوي من وجه آخر، وفيه: إن التفسير من قول ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، واعترض ابن المنير على قول المهلب المذكور عن قريب بأن الفجر أيضا فيها شهود الملائكة الليلية والنهارية، فلا يختص العصر بذلك. قال: والحق أن الله تعالى يخص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة. وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي. قلت: لا تطابق بين ترجمته وبين الحديث، فإن لفظ الحديث: الذي تفوته، أعم من أن يكون ساهيا أو عامدا، وتخصيصه بالساهي لا وجه له، بل القرينة دالة على أن المراد بهذا الوعيد في العامد دون الساهي.
قال أبو عبد الله يتركم أعمالكم وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا أو أخذت له مالا أبو عبد الله هو البخاري، وأشار بذلك إلى أن لفظة: يتركم في قوله تعالى: * (ولن يتركم) * (محمد: 35). أنه متعد إلى مفعولين، وهذا يؤيد نصب اللامين في الحديث، وأشار بقوله (وترت الرجل)، إلى أنه يتعدى إلى مفعول واحد، وهو يؤيد رواية المستملي.
15 ((باب إثم من ترك العصر)) أي: هذا باب في بيان إثم من ترك صلاة العصر. قيل: لا فائدة في هذا التبويب لأن الباب السابق يغني عنه، وكان ينبغي أن يذكر حديث هذا الباب في الباب الذي قبله، لأن كلا منهما في الوعيد، قلت: بينهما فرق دقيق، وهو أنهم قد اختلفوا في المراد من معنى التفويت على ما ذكرنا، والترك لا خلاف فيه أن معناه: إذا كان عامدا.
553 حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المليح قال كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله. ((الحديث 553 طرفه في: 594).
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأن الحديث يتضمن حبط العمل عند الترك، والترجمة في إثم الترك.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي البصري القصاب، يكنى أبا عمرو. الثاني: هشام بن عبد الله الدستوائي. الثالث: يحيى ابن أبي كثير. الرابع: أبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله بن زيد الحرمي. الخامس: أبو المليح، بفتح الميم وكسر اللام وبالحاء المهملة: واسمه عامر بن أسامة الهذلي، مات سنة ثمان وتسعين. السادس: بريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالدال المهملة: ابن الحصيب، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة: الأسلمي، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا، للبخاري منها ثلاث، مات غازيا بمرو، وهو آخر من مات من الصحابة بخراسان سنة اثنتين وستين.