عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٦٥
ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك؟ فقال حين خرج: أتنتظرون هذه الصلاة؟ لولا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة). وأخرجه مسلم والنسائي أيضا.
ذكر معناه: قوله: (نزولا)، جمع: نازل، كشهود جمع شاهد. قوله: (في بقيع بطحان) البقيع، بفتح الباء الموحدة وكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة، وهو من الأرض: المكان المتسع، ولا يسمى بقيعا، إلا وفيه شجر أو أصولها، و: بطحان، بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة وبالحاء المهملة، غير منصرف: واد بالمدينة، وقال ابن قرقول: بطحان، بضم الباء، يرويه المحدثون أجمعون، وحكى أهل اللغة فيه بطحان، بفتح الباء وكسر الطاء، ولذلك قيده أبو المعالي في (تاريخه)، وأبو حاتم. وقال البكري: بفتح أوله وكسر ثانيه، على وزن: فعلان، لا يجوز غيره. قوله: (نفر) مرفوع لأنه فاعل: يتناوب، و: النفر، عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. قوله: (فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم) بلفظ المتكلم. قوله: (وله بعض الشغل)، جملة حالية، وجاء في تفسير: بعض الشغل، في (معجم الطبراني)، من وجه صحيح: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: (كان في تجهيز جيش)، قوله: (فاعتم بالصلاة) أي: أخرها عن أول وقتها. قوله: (حتى ابهار الليل)، بتشديد الراء على وزن: إفعال، كإحمار. ومعناه: انتصف. وعن سيبويه: كثرت ظلمته، وابهار القمر، كثر ضوؤه، ذكره في (الموعب) وفي (المحكم): إبهار الليل إذا تراكمت ظلمته، وقيل: إذا ذهبت عامته. وفي كتاب (الواعي): ابهيرار الليل: طلوع نجومه. وفي (الصحاح): إبهار الليل ابهيرارا: إذا ذهب معظمه وأكثره، وإبهار علينا الليل أي: طال. قال الداودي: انهار الليل، يعني بالنون، موضع الباء، تقول: كسر منه وانهزم، ومنه قوله تعالى: * (فانهار به في نار جهنم) * (التوبة: 109). وفيه نظر، ولم يقله أحد غيره. قوله: (على رسلكم)، بكسر الراء وفتحها أي: على هيئتكم، والكسر أفصح. قوله: (أبشروا) من: أبشر، إبشارا، يقال: بشرت الرجل وأبشرته وبشرته بالتشديد، ثلاث لغات بمعنى، ويقال: بشرته بمولود فأبشر إبشارا أي: سر. قوله: (إن من نعمة الله) كلمة: من، للتبعيض وهو اسم: إن. وقوله: إنه، بالفتح لأنه خبره. وقال بعضهم: أنه: بالفتح للتعليل. قلت: ليس كذلك على ما لا يخفى. قوله: (ففرحنا) بلفظ المتكلم، عطف على قوله: فرجعنا)، هذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: (فرجعنا فرحى)، على وزن: فعلى. وقال الكرماني: إما جمع فريح على غير قياس، وإما مؤنث الأفرح، وهو نحو: الرجال فعلت. قلت: بل هو جمع: فرحان، كعطشان يجمع على: عطشى، وسكران على سكرى، ويروى (فرجعنا فرحا)، بفتح الراء مصدرا بمعنى الفرحين، وهو نحو: الرجال فعلوا، وعلى الوجهين أعني: فرحى وفرحا، نصب على الحال من الضمير الذي في رجعنا فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط في الواحد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، وفي رواية: (فرحا)، غير موجود. قلت: الفرح مصدر في الأصل ويستوي فيه هذه الأشياء. قوله: (بما سمعناه)، الباء: تتعلق (بفرحنا)، وكلمة: ما، موصولة، والعائد محذوف تقديره: بما سمعناه. فإن قلت: ما سبب فرحهم؟ قلت: علمت باختاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى، هذا الوجه ذكره الكرماني، وعندي وجه آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه مشغولا بأمر الجيش، خرج إليهم وصلى بهم، فحصل لهم الفرح بذلك. وازدادوا فرحا ببشارته بتلك النعمة العظيمة.
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز الحديث بعد صلاة العشاء. وفيه: إباحة تأخير العشاء إذا علم أن بالقوم قوة على انتظارها ليحصل لهم فضل الانتظار، لأن المنتظر للصلاة في الصلاة. وقال ابن بطال: وهذا لا يصلح اليوم لأئمتنا، لأنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الأئمة بالتخفيف وقال: (إن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)، كان ترك التطويل عليهم في انتظارها أولى وقال مالك: تعجيلها أفضل للتخفيف، وقال ابن قدامة يستحب تأخيرها للمنفرد، ولجماعة يرضون بذلك، وإنما نقل التأخير عنه، صلى الله عليه وسلم، مرة أو مرتين لشغل حصل له. قلت: قال أصحابنا: إن كان القوم كسالى يستحب التعجيل، وإن كانوا راغبين يستحب التأخير. وفيه: أن التأني في الأمور مطلوب. وفيه: أن التبشير لأحد بما يسره محبوب لأن فيه إدخال السرور في قلب المؤمن.
23 ((باب ما يكره من النوم قبل العشاء)) أي: هذا باب في بيان كراهة النوم قبل صلاة العشاء.
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 59 60 62 65 67 68 71 72 73 ... » »»