سنة المأموم وأجزأته صلاته عند جميع العلماء. وفي (المغني) لابن قدامة: وإن سبق إمامه فعليه أن يرفع ليأتي بذلك مؤتما بالإمام فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهوا أو جهلا فلا شيء عليه، فإن سبقه عالما بتحريمه. فقال أحمد في رسالته: ليس لمن سبق الإمام صلاة، لقوله: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام...؟) الحديث، ولو كان له صلاة لرجى له الثواب، ولم يخش عليه العقاب، وقال ابن بزيزة: استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ. قلت: هذا مذهب مردود، وقد بنوه على دعاوى باطلة بغير دليل وبرهان.
54 ((باب إمامة العبد والمولى)) أي: هذا باب في بيان حكم إمامة العبد والمولى، وأراد به المولى الأسفل، وهو المعتوق، وللفظ المولى معان متعددة، والمراد به هنا: المعتوق، قيل: لم يفصح بالجواز،، لكن لوح به لإيراده أدلته.
وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف إيراد هذا الأثر يدل على أن مراده من الترجمة الجواز، وإن كانت الترجمة مطلقة، ووصل هذا ابن أبي شيبة عن وكيع عن هشام ابن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة: أن عائشة، رضي الله تعالى عنها، أعتقت غلاما عن دبر، فكان يؤمها في رمضان في المصحف. وروى أيضا عن ابن علية: عن أيوب سمعت القاسم يقول: كان يؤم عائشة عبد يقرأ في المصحف، ورواه الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنهم كانوا يأتون عائشة بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير، فيؤمهم أبو عمر ومولى عائشة، وهو يومئذ غلام لم يعتق. وكان إمام بني محمد بن أبي بكر وعروة. وعند البيهقي من حديث أبي عتبة أحمد بن الفرج الحمصي: حدثنا محمد بن حمير حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن هشام عن أبيه أن أبا عمرو ذكوان كان عبدا لعائشة، فأعتقته وكان يقوم بها شهر رمضان يؤمها، وهو عبد. وروى ابن أبي داود في (كتاب المصاحف) من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة: أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف. وذكوان: بالذال المعجمة، وكنيته أبو عمرو، مات في أيام الحرة أو قتل بها. قوله: (وهو يومئذ غلام)، الغلام هو الذي لم يحتلم، ولكن الظاهر أن المراد منه المراهق، وهو كالبالغ. قوله: (من المصحف)، ظاهره يدل على جواز القراءة من المصحف في الصلاة، وبه قال ابن سيرين والحسن والحكم وعطاء، وكان أنس يصلي وغلام خلفه يمسك له المصحف، وإذا تعايا في آية فتح له المصحف. وأجازه مالك في قيام رمضان، وكرهه النخعي وسعيد بن المسيب والشعبي، وهو رواية عن الحسن. وقال: هكذا يفعل النصارى، وفي مصنف ابن أبي شيبة وسليمان بن حنظلة ومجاهد بن جبير وحماد وقتادة، وقال ابن حزم: لا تجوز القراءة من المصحف ولا من غيره لمصل إماما كان أو غيره، فإن تعمد ذلك بطلت صلاته، وبه قال ابن المسيب والحسن والشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، قال صاحب (التوضيح): وهو غريب لم أره عنه. قلت: القراءة من مصحف في الصلاة مفسدة عند أبي حنيفة لأنه عمل كثير، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز، لأن النظر في المصحف عبادة، ولكنه يكره لما فيه من التشبه بأهل الكتاب في هذه الحالة، وبه قال الشافعي وأحمد، وعند مالك وأحمد في رواية. لا تفسد في النفل فقط.
وأما إمامة العبد، فقد قال أصحابنا: تكره إمامة العبد لاشتغاله بخدمة مولاه، وأجازها أبو ذر وحذيفة وابن مسعود، ذكره ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وعن أبي سفيان أنه كان يؤم بني عبد الأشهل وهو مكاتب وخلفه صحابة محمد بن مسلمة وسلمة بن سلام، وصلى سالم خلف زياد مولى ابن الحسن وهو عبد، ومن التابعين ابن سيرين والحسن وشريح والنخعي والشعبي والحكم، ومن الفقهاء الثوري وأبو حنيفة وأحمد والشافعي وإسحاق، وقال مالك: تصح إمامته في غير االجمعة، وفي رواية: لا يؤم إلا إذا كان قارئا ومن خلفه الأحرار لا يقرأون، ولا يؤم في جمعة ولا عيد. وعن الأوزاعي: لا يؤم إلا أهله. وممن كره الصلاة خلفه: أبو مجلز، فيما ذكره ابن أبي شيبة، والضحاك بزيادة: ولا يؤم من لم يحج قوما فيهم من قد حج. وفي (المبسوط): إن إمامته جائزة وغيره أحب. قلت: ولا شك أن الحر أولى منه لأنه منصب جليل، فالحر أليق بها، وقال ابن خيران من أصحاب الشافعية: تكره إمامته للحر، وخالف سليم الرازي، ولو اجتمع عبد فقيه وحر غير فقيه فثلاثة أوجه: أصحها أنهما