في ذلك لأنه رآه على فعول، فتوهمه مما جاء على المبالغة، ولا يكون ذلك إلا لتكرار الفعل فهو ضروب وشبهه، وليس كذلك، وإنما هو اسم لغير تكثير الفعل بمنزلة: عمود وعنود. وقال ابن الأنباري: وفصحاء العرب أهل الحجاز ومن والاهم يقولون: أشهد أن محمدا رسول الله، وجماعة من العرب يبدلون من الألف عينا فيقولون: أشهد عن. قوله: (حي على الصلاة). قال الفراء معناه: هلم، وفتحت الياء من حي لسكون الياء التي قبلها. وقال ابن الأنباري: فيه ست لغات، حي هلا، بالتنوين، وفتح اللام بغير تنوين، وتسكين الهاء، وفتح اللام، وحي هلن، لا وحي هلين، قاله الزجاجي.
الوجه الخامس: بالنون هو الأول، بعينه لأن التنوين والنون سواء، ومعنى الفلاح الفوز، يقال: أفلح الرجل إذا فاز.
((باب الأذان مثنى مثنى)) أي: هذا باب يذكر فيه الأذان مثنى مثنى، ومثنى هكذا مكررا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: مثنى مفردا، ومثنى مثنى، معدول من اثنين اثنين، والعدل على قسمين: عدل تحقيقي وهذا منه، وعدل تقديري كعمرو وزفر، وقد عرف في موضعه، وفائدة التكرار للتوكيد، إن كان التكرار يفهم من صيغة المثنى لأنها معدولة عن: اثنين اثنين، كما ذكرناه. ويقال الأول لإفادة التثنية لكل ألفاظ الأذان، والثاني لكل أفراد الأذان، أي: الأول: لبيان تثنية الأجزاء، والثاني: لبيان تثنية الجزئيات.
604 حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادي لها فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم بل بوقا مثل قرن اليهود فقال عمر أو لا تبعثون رجلا منكم ينادي بالصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة..
مطابقته للترجمة في قوله) (يا بلال قم فناد بالصلاة).. فإن قلت: كيف يطابق الترجمة والترجمة في بدء الأذان والحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بالنداء بالصلاة، والنداء لا يفهم منه الأذان المعهود بالكلمات المخصوصة؟ قلت: المراد بالنداء الأذان المعهود، ويدل على أن الإسماعيلي أخرج هذا الحديث، ولفظه: (فأذن بالصلاة). وكذا قال أبو بكر بن العربي: إن المراد الأذان المشروع. فإن قلت: قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها، لا خصوص الأذان المشروع. قلت: يحمل أنه استند في ذلك على ظاهر اللفظ، ولئن سلمنا ما قاله فالمطابقة بينهما موجودة باعتبار أن أمره صلى الله عليه وسلم لبلال بالنداء بالصلاة كان بدء الأمر في هذا الباب، فإنه لم يسبق أمر بذلك قبله، بل إنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم بعد تحينهم للصلاة وتشاورهم فيما بينهم ماذا يفعلون في الإعلام بالصلاة .
ذكر رجاله: وهم خمسة قد تكرر ذكرهم. و: غيلان، بالغين المعجمة، وابن جريج هو: عبد الملك.
ومن لطائفه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار في موضعين: أحدهما: بصيغة الجمع، والآخر: بصيغة الإفراد من الماضي. وفيه: القول في أربعة مواضع.
بيان من أخرحه غيره: وأخرجه مسلم في الصلاة عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وعن إسحاق بن إبراهيم، وعن هارون بن عبد الله. وأخرجه الترمذي فيه عن أبي بكر بن أبي النضر. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن.
ذكر معناه: قوله: (أن ابن عمر كان يقول)، وفي رواية مسلم عن عبد الله بن عمر: أنه قال: قوله: (حين قدموا المدينة)، أي: من مكة مهاجرين. قوله: (فيتحينون)، بالحاء المهملة، أي: يقدرون حينها ليأتوا إليها، وهو من التحين من باب التفعل الذي وضع للتكلف غالبا، والتحين من الحين وهو الوقت والزمن. قوله: (ليس ينادى لها)، أي: للصلاة، وهو على بناء المفعول. وقال ابن مالك: هذا شاهد على جواز استعمال: ليس، حرفا لا اسم لها ولا خبر لها، أشار إليها سيبويه، ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبرا. قوله: (اتخذوا) على صورة الأمر. قوله: (بوقا) أي: قال بعضهم: اتخذوا بوقا، بضم الباء الموحدة وبعد الواو الساكنة قاف، وهو الذي ينفخ فيه، ووقع في بعض النسخ: (بل قرنا)، وهي رواية مسلم والنسائي، والبوق والقرن معروفان، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضا: الشبور، بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة المثقلة. قوله: (فقال عمر أولا تبعثون؟) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر، أي: أتقولون بموافقتهم ولا تبعثون؟ وقال الطيبي: الهمزة إنكار للجملة الأولى، أي: المقدرة، وتقرير للجملة الثانية. قوله: (رجلا منكم) هكذا رواية الكشميهني، وليس لفظة: منكم، في رواية غيره. قوله: (ينادي) جملة فعلية مضارعية في محل النصب على الحال من الأحوال المقدرة. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر، رضي الله تعالى عنه، فقال: (أولا تبعثون رجلا ينادي؟) أي: يؤذن بالرؤيا المذكورة. (فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: قم يا بلال). فعلى هذا: فالفاء، في قوله: فقال عمر. فاء الفصيحة، والتقدير: فافترقوا، فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقص عليه فصدقه، فقال عمر: أولا تبعثوني؟ انتهى. قلت: هذا يصرح أن معنى قوله عليه السلام: (قم يا بلال فناد بالصلاة)، أي: فأذن بالرؤيا المذكورة، وقال بعضهم: وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك. فإن فيه: لما قص رؤياه على النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له: ألقها على بلال فليؤذن بها، قال: فسمع عمر الصوت، فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى، فدل على أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقيب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك. قلت: أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه أبو داود: حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثنا أبي عبد الله ابن زيد قال: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. فقال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت له: بلى. فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا أقمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيته، فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد)، وأخرجه الترمذي أيضا. فلم يذكر فيه كلمات الأذان ولا الإقامة. وقال: حديث حسن صحيح ورواه ابن ماجة أيضا فلم يذكر فيه لفظ الإقامة، وزاد فيه شعرا، فقال عبد الله بن زيد في ذلك