عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١١١
ابن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد، قال: (كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة) حجة على هذا القائل بقوله: وهذا الحديث حجة على من زعم أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، وكذلك ما رواه ابن خزيمة في (صحيحه) ولفظه: فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى، وكذلك رواه ابن حبان في (صحيحه): كل هذه حجة عليه وعلى إمامه، وأما الجواب عن وجه ترك الترجيع ووجه النسخ فقد ذكرناه.
4 ((باب فضل التأذين)) أي: هذا باب في بيان فضل التأذين، وهو مصدر: أذن، بالتشديد وهو مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة، ومنه أخذ أذان الصلاة، وقال الجوهري: والأذين مثله، وقد أذن أذانا، وأما الإيذان فهو من اذن على وزن: أفعل ومعناه: الإعلام مطلقا، وإنما قال البخاري: باب فضل التأذين، ولم يقل: باب فضل الأذان، مراعاة للفظ الحديث الوارد في الباب، وقال ابن المنير: وحقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة. قلت: لا نسلم هذا الكلام، لأن التأذين مصدر، فلا يدل إلا على حدوث فعل فقط.
6088 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى..
مطابقته للترجمة من حيث هروب الشيطان عن الأذان، فإن الأذان لو لم يكن له فضل عظيم يتأذى منه الشيطان لم يهرب منه، فمن حصول هذا الفضل للتأذين يحصل أيضا للمؤذن، فإنه لا يقوم إلا به.
ذكر رجاله: وهم خمسة قد ذكروا غير مرة، وأبو الزناد بالزاي والنون المخففة، واسمه: عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن ابن هرمز.
وأخرجه أبو داود في الصلاة عن القعنبي عن مالك. وأخرجه النسائي أيضا فيه عن قتيبة عن مالك.
ذكر معناه: قوله: (إذا نودي للصلاة) أي: إذا أذن لأجل الصلاة، وفي رواية أبي داود والنسائي: (إذا نودي بالصلاة)، وقال بعضهم: ويمكن حملها على معنى واحد، وسكت على هذا ولم يبين وجه الحمل ما هو؟ قلت: تكون الباء للسببية كما في قوله تعالى: * (فكلا أخذنا بذنبه) * (العنكبوت: 40). أي: بسبب ذنبه، وكذلك المعنى ههنا: بسبب الصلاة، ومعنى التعليل قريب من معنى السببية. قوله: (أدبر الشيطان) الإدبار: نقيض الإقبال، يقال دبر وأدبر إذا ولى، والألف واللام في: الشيطان، للعهد، والمراد: الشيطان المعهود. قوله: (له ضراط) جملة اسمية وقعت حالا، والأصل فيها أن تكون بالواو، وقد تقع بلا: واو، نحو: كلمته فوه إلى في، ووقع في رواية الأصيلي: بالواو، على الأصل، وكذا وقع للبخاري في بدء الخلق. وقال عياض: يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم منفذ يصح منه خروج الريح. قلت: هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من خرقه أمر عظيم، واعتراه خطب جسيم، حتى لم يزل يحصل له الضراط من شدة ما هو فيه، لأن الواقع في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله ولا يقدر على أن يملك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط. ولما كان الشيطان لعنه الله يعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة فيهرب حتى لا يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد. وفي الحقيقة ماثم ضراط، ولكن يجوز أن يكون له ريح، لأنه روح، ولكن لم تعرف كيفيته. وقال الطيبي: شبه شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه: ضراطا تقبيحا له. فإن قلت: كيف يهرب من الأذان ولا يهرب من قراءة القرآن، وهي
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 109 109 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»