عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٢٥٥
بأنه منسوخ ابن بطال. وقال بعضهم: محمل النهي حيث يخشى أن تبدو عورة الفاعل أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال. قلت: القائل بالنسخ ما ادعى أن النسخ بالاحتمال، وإنما جزم به، فكيف يدعى الأولوية بالاحتمال؟ ويقوي دعوى النسخ ما روي عن عمر وعثمان أنهما كانا يفعلان ذلك، على ما نذكره إن شاء ا تعالى، ويقال: يحتمل أن يكون الشارع فعل ذلك لضرورة، أو كان ذلك بغير محضر جماعة، فجلوس رسول الله في الجامع كان على خلاف ذلك من التربع والاحتباء، وجلسات الوقار والتواضع. وفيه: جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع، وأنواع الاستراحة غير الانبطاح، وهو الوقوع على الوجه، فإن النبي قد نهى عنه، وقال: إنها ضجعة يبغضها ا تعالى.
وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال كان عمر وعثمان يفعلان ذلك.
قال الكرماني: يحتمل أن يكون هذا تعليقا، وأن يكون داخلا تحت الإسناد السابق، أي: عن مالك عن ابن شهاب، وقال صاحب (التوضيح): وعن ابن شهاب... إلى آخره، ساقه البخاري بالسند الأول، وقد صرح به أبو داود، وزاد أبو مسعود فيما حكاه الحميدي في جمعه، فقال: إن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفعلون ذلك. وقد أخرج البرقاني هذا الفصل من حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري متصلا بالحديث الأول، ولم يذكر سعيد بن المسيب، وسعيد لم يصح سماعه عن عمر رضي ا تعالى عنه، وأدرك ثمان ولم يحفظ له عنه رواية عن رسول ا. وقال بعضهم: وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب. معطوف على الإسناد الأول، وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي، وهو كذلك في (الموطأ)، وغفل عن ذلك من زعم أنه معلق.
قلت: يريد به الكرماني، والكرماني ما جزم بأنه معلق، بل قال: يحتمل، وهو صحيح بحسب الظاهر وتصريح أبي داود بذلك في كتابه لا يدل على أن هذا داخل في الإسناد المذكور ههنا قطعا، ورواية أبي داود هكذا: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك، أي: المذكور من الاستلقاء والوضع. قلت: اختلف جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم في هذا الباب، فذهب محمد بن سيرين ومجاهد وطاوس وإبراهيم النخعي إلى أنه يكره وضع إحدى الرجلين على الأخرى، وروي ذلك عن ابن عباس وكعب بن عجرة، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بذلك، وهم: الحسن البصري والشعبي وسعيد بن المسيب وأبو مجلز ومحمد بن الحنفية، ويروى ذلك عن أسامة بن زيد وعبد ا بن عمر وأبيه عمر بن الخطاب وعثمان وعبد ا بن مسعود وأنس بن مالك. وقال ابن أبي شيبة في (مصنفه): حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن الماجشون عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر وعثمان كانا يفعلانه، حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان عن يحيى بن عبد ا بن مالك عن أبيه قال: (دخل على عمر ورأى مستلقيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى)، حدثنا مروان بن معاوية عن سفيان بن الحسن عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد ا بن عبد ا بن الحارث (أنه رأى ابن عمر يضطجع فيضع إحدى رجليه على الأخرى)، حدثنا وكيع عن أسامة عن نافع قال: (كان ابن عمر يستلقي على قفاه ويضع إحدى رجليه على الأخرى، لا يرى بذلك بأسا، ويفعله بذلك وهو جالس لا يرى بذلك بأسا)، حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر بن عبد الرحمن بن الأسود عن عمه، قال: (رأيت ابن مسعود رضي ا تعالى عنه، مستلقيا واضعا إحدى رجليه فوق الأخرى وهو يقول: * (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * (يونس: 58) حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن عمران، يعني: ابن مسلم، قال: (رأيت أنسا واضعا إحدى رجليه على الأخرى).
68 ((باب المسجد يكون في الطريق من غر ضرر بالناس)) أي: هذا باب في بيان جواز بناء المسجد يكون في طريق الناس، لكن بشرط أن لا يكون فيه ضرر، لهم، ولما كان بناء المسجد على أنواع: نوع منه يجوز بالإجماع وهو أن يبنيه في ملكه، ونوع منه لا يجوز بالإجماع وهو أن يبنيه في غير ملكه. ونوع يجوز ذلك بشرط أن لا يضر بأحد، وذلك في المباحات. وقد شذ بعضهم منهم: ربيعة، في منع ذلك. أراد البخاري بهذا الباب الرد على هؤلاء، واحتج على ذلك بقصة أبي بكر رضي ا تعالى عنه، وعلم بذلك النبي فلم ينكر عليه
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»