عن عبيد وعن بسر كليهما، وتارة يقتصر على أحدهما. وأخطأ من محمد بن سنان حيث حذف الواو العاطفة. فافهم.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره. أخرجه البخاري أيضا في فضل أبي بكر رضي ا تعالى عنه، عن عبد ا بن محمد. وأخرجه مسلم في الفضائل.
ذكر معناه وإعرابه: قوله: (عنده) أي، عند ا وهو: الآخرة. قوله: (ما يبكي هذا الشيخ) من الإبكاء، وكلمة: ما، استفهامية. قوله: (إن يكن ا خير)، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (إن يكن عبد خير)، فإعراب الأولى: هو: أن: إن، بالكسر شرط، ويكن، فعل الشرط وهو مجزوم، ولكنه لما اتصل بلفظ: ا، كسر لأن الأصل في الساكن إذا حرك حرك بالكسر. قال الكرماني: الجزاء محذوف يدل عليه السياق. قلت: لا حاجة إلى هذا، بل الجزاء قوله: (فاختار ما عند ا)، قوله: (خير) على صيغة المعلوم من: التخيير، وعبدا، مفعوله و: الضمير في: فاختار، يرجع إلى: العبد، و: ما عند ا، في محل النصب مفعوله. وإعراب الرواية الثانية: هو أن: إن أيضا كلمة شرط، و: يكن، مجزوم به. وقوله: عبد، مبتدأ وخبره هو قوله: مقدما، وقوله: خير، على صيغة المجهول في محل الرفع لأنه صفة لعبد، والجزاء هو قوله: (فاختار). وقال السفاقسي: ويصح أن تكون الهمزة، يعني همزة: أن، مفتوحة بأن يكون منصوبا: بأن، فيكون المعنى ما يبكيه لأجل أن يكون ا خير عبدا. وقال بعضهم: وجوز ابن التين فتحها، يعني: فتح: أن، على أنها تعليلية، وفي نظر. قلت: في نظره نظر، لأن التعليل هنا لأجل فراقه لا على كونه خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده. قوله: (هو العبد)، أي: المخير: قوله: (وكان أبو بكر أعلمنا) حيث فهم أنه رسول ا، وإنما قال عليه السلام: عبدا، على سبيل الإبهام ليظهر فهم أهل المعرفة ونباهة أصحاب الحذق، وكان ذلك في مرض موته كما يجيء في حديث ابن عباس بعده، إن شاء ا تعالى. ولما كان أبو بكر أعلم الصحابة، إذ لم ينكر أحد منهم ممن حضر حين قال أبو سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا، اختصه الشارع بالخصوصية العظمى. وقال: (إن أمن الناس علي...) إلى آخره فظهر أن للصديق من الفضائل والحقوق ما لا يشاركه في ذلك مخلوق. قال العلماء: في ممعنى هذا الكلام، منهم الخطابي: أي أكثرهم جودا وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة، لأنه مبطل للثواب، لأن المنة ولرسوله في قبول ذلك. قال الخطابي: والمن في كلام العرب الإحسان إلى من يكافئه. قال تعالى: * (هذا عطاؤنا فامنن) * (ص: 93) وقال: * (ولا تمنن) * (المدثر: 6) أي: لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثر ما أعطيت. وقال القرطبي: وزن: أمن، أفعل، من: المنة، أي الامتنان أي: أكثر منة. ومعناه: أن أبا بكر له من الحقوق ما لو كان لغيره لا متن بها، وذلك لأنه بادر بالتصديق ونفقة الأموال، وبالملازمة والمصاحبة إلى غير ذلك بانشراح صدر ورسوخ علم بأن ا ورسوله لهما المنة في ذلك والفضل، لكن رسول ا، بجميل أخلاقه وكريم أعراقه اعترف بذل عملا بشكر المنعم، ليس كما قال الأنصار. وفي (جامع الترمذي)، من حديث أبي هريرة مرفوعا: (ما لأحد عندنا يد إلا كافأنا ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه ا بها يوم القيامة). قوله: (ولو كنت متخذا خليلا)، الاتخاذ: افتعال من الأخذ، واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد، ويتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف الجر، فيكون بمعنى: اختار واصطفى، وهنا سكت عن أحد مفعوليه وهو الذي دخل عليه حرف الجر، فكأنه قال: لو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت منهم أبا بكر. والخليل: المخال، وهو الذي يخالك أي: يوافقك في خلالك، أو يسايرك في طريقتك، من الخل وهو الطريق في الرمل، أو يسد خللك كما تسد خلله، أو يداخلك خلال منازلك. وقيل: صل الخلة الانقطاع، فخليل ا المنقطع إليه. وقال ابن فورك: الخلة صفاء المودة بتخلل الأسرار. وقيل: الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله. وقال عياض: أصل الخلة الافتقار والانقطاع، فخليل ا أي: المنقطع إليه لقصره حاجته عليه. وقيل: الخلة الاختصاص بأصل الاصطفاء، وسمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، خليل ا لأنه وإلى فيه وعادى فيه. وقيل: سمي به لأنه تخلل بخلال حسنة وأخلاق كريمة، وخلة ا تعالى له نصره وجعله ءماما لمن بعده. وزعم السفاقسي أنه كان اتخذ خليلا من الملائكة. ولهذا قال: (لو كنت متخذا خليلا من أمتي). انتهى يردة قوله: (ولكن صاحبكم خليل الرحمن)، وفي رواية: (لو كنت متخذا خليلا غير ربي)، ومعنىء الحديث: أن أبا بكر متأهل لأن يتخذه خليلا لولا المانع المذكور، وهو أنه امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة ا تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنها مزجت