الجوهري: هي لغة حجازية، يقال: قصص داره أي: جصصها. ويقال: القصة القطنة والخرقة البيضاء التي تحتشى بها المرأة عند الحيض. وقال القزاز: القصة الجص، هكذا قرأته بفتح القاف وحكيت بالكسر. وفي (الغريبين) و (المغرب) و (الجامع): القصة شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله. وفي (المحيط) من كتب أصحابنا: القصة الطين الذي يغسل به الرأس. وهو أبيض يضرب إلى الصفرة. وجاء في الحديث: (الحائض لا تغتسل حتى تري القصة البيضاء). إي: حتى تخرج القطن التي تحتشي بها كأنها جصة لا تخالطها صفرة. قلت: أريد بها التشبيه بالجصة في البياض والصفاء، وأنث لأنه ذهب إلى المطابقة، كما حكى سيبويه من قولهم: لبنة وعسلة. وقال ابن قرقول: قد فسر مالك القصة بقوله: تريد بذلك الطهر، أي: تريد عائشة، رضي الله تعالى عنها، بقولها: (حتى ترين القصة البيضاء): الطهر من الحيضة. وفسر الخطابي بقوله: تريد البياض التام. وقال ابن وهب في تفسيره: رأت القطن الأبيض كأنه هو، وقال مالك: سألت النساء عن القصة البيضاء، فإذا ذلك أمر معلوم عند النساء يرينه عند الطهر. وروى البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن فاطمة بنت محمد، وكانت في حجر عمرة. قالت: أرسلت امرأة من قريش إلى عمرة كرسفة قطن فيها. أظنه أراد الصفرة تسألها إذا لم تر من الحيضة إلا هذا طهرت؟ قال: فقالت: لا حتى ترى البياض خالصا. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك، فإن رأت صفرة في زمن الحيض ابتداء فهو حيض عندهم. وقال أبو يوسف: لا حتى يتقدمها دم.
وبلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة، لأن نظر النساء إلى الطهر لأجل أن يعلمن إدبار الحيض.
وأخرجه مالك في (الموطأ) عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن ابنة زيد بن ثابت أنه: بلغنا... فذكره، وعمة ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم، ووقع ذكر بنت زيد بن ثابت ههنا هكذا مبهما، ووقع في (الموطأ)، وقال الحافظ الدمياطي: لزيد بن ثابت من البنات: أم إسحاق وحسنة وعمرة وأم كلثوم وأم حسن وأم محمد وقريبة وأم سعد. وفي (التوضيح): ويشبه أن تكون هذه المبهمة أم سعد، ذكرها ابن عبد البر في الصحابيات، وقال بعضهم: ولم أر لواحدة منهن يعني من بنات زيد رواية إلا لأم كلثوم، وكانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر، فكأنها هي المبهمة هنا. وزعم بعض الشراح أنها أم سعد. قال لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة، ثم قال هذا القائل: وليس في ذكره لها دليل على المدعى، لأنه لم يقل: إنها صاحبة هذه القصة، بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن، وقد كذبوه، وكان مع ذلك يضطرب فيها، فتارة يقول: بنت زيد، وتارة يقول: امرأة زيد. ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد. انتهى. قلت: ذكره الذهبي، فقال: أم سعد بنت زيد بن ثابت. وقيل: امرأته، وأيضا عدم رؤية هذا القائل رواية الواحدة من بنات زيد إلا لأم كلثوم لا ينافي رواية غيرها من بناته، لأنه ليس من شأنه أن يحيط بجميع الروايات. وقوله: زعم بعض الشراح، أراد به صاحب (التوضيح)، فليت شعري ما الفرق بين زعم هذا وزعمه هو حيث قال: فكأنها هي المبهمة، أي: أم كلثوم هي المبهمة في هذا الأثر؟ على أن صاحب (التوضيح) ما جزم بما قاله، بل قال: ويشبه أن تكون هذه المبهمة أم سعد.
قوله: (إن نساء) هكذا وقع في غالب النسخ بدون الألف واللام، وفي بعضها: (إن النساء)، بالألف واللام، حتى قال الكرماني: إن اللام، للعهد عن نساء الصحابة، وبدون اللام أعم وأشمل. قوله: (يدعون) بلفظ الجمع المؤنث، ويشترك في هذه المادة الجمع المذكر والمؤنث، وفي التقدير مختلف، فوزن الجمع المذكر : يفعون، ووزن الجمع المؤنث: يفعلن، ومعنى: يدعون بالمصابيح؛ يطلبنها لينظرن بها إلى ما في الكراسيف حتى يقفن على ما يدل على الطهر. وفي رواية الكشميهني: يدعين، قاله بعضهم: قلت: في نسبة هذا إليه نظر لا يخفى، ثم قال هذا القائل: قال صاحب (القاموس): دعيت لغة في دعوت. قلت: أراد بهذا تقوية صحة ما رواه عن الكشميهني، ولا يفيده هذا، لأن صاحب (القاموس) تكلم فيه. قوله: (إلى الطهر) أي: إلى ما يدل على الطهر من القطنة. قوله: (وعابت عليهن)، أي: عابت بنت زيد بن ثابت على النساء المذكورة، وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج وهو مذموم، وكيف لا وجوف الليل ليس إلا وقت الاستراحة؟ وقيل: لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة، وهو جوف الليل. قال بعضهم: فيه نظر، لأنه وقت العشاء. قلت: فيه نظر لأنه لم يدل شيء أنه