عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٣٠٩
التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي). وجاء أيضا في حديث فاطمة بنت أبي حبيش، رواه أبو داود والنسائي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي، وصلي، فإنما ذلك عرق). فإن قلت: كيف كان الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها؟ قلت: هذه مسألة مشهورة في الفروع، وهي أنها تحسب من كل شهر عشرة حيضها ويكون الباقي استحاضة، واحتج الرازي لأصحابنا في (شرح مختصر الطحاوي) بقوله صلى الله عليه وسلم: قدر الأيام التي تحيضين فيها على تقدير أقل الحيض وأكثره، لأن أقل ما يتناوله اسم الأيام ثلاثة، وأكثره عشرة أيام، لأن ما دون الثلاثة لا تسمى أياما، ونقول ثلاثة أيام إلى عشرة أيام، ثم نقول: أحد عشر يوما.
25 ((باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض)) أي: هذا باب في بيان الصفرة والكدرة اللتين تراهما المرأة في غير أيام حيضها، يعني: لا يكون حيضا، وألوان الدم ستة: السواد والحمرة والصفرة والكدرة والخضرة والتربية. أما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم إلا عند غلبة السواد يضرب إلى السواد، وعند غلبة الصفراء يضرب إلى الصفرة، ويتبين ذلك لمن اقتصده، وأما الصفرة فهي من ألوان الدم إذا راق، وقيل: هي كصفرة البيض أو كصفرة القز. وفي (فتاوي قاضيحان): الصفرة تكون كلون القز أو لون البسر أو لون التبن، فالسواد والحمرة والصفرة حيض، والمنقول عن الشافعي في (مختصر المزني): أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض. واختلف أصحابه في ذلك على وجوه مذكورة في كتبهم. وأما الكدرة فهي حيض عند أبي حنيفة ومحمد، سواء رأت في أول أيامها أو في آخرها، وهي لون كلون الصديد يعلوه أصفرار. وأما الخضرة فقد اختلف مشايخنا فيها، فقال الإمام أبو منصور: إن رأتها في أول الحيض يكون حيضا. وإن رأتها في آخر الحيض واتصل بها أيام الحيض لا يكون حيضا، وجمهور الأصحاب على كونها حيضا كيف ما كان. وأما التربية فهي التي تكون على لون التراب، وهو نوع من الكدرة، فحكمها حكم الكدرة، وهي بضم التاء المثناة من فوق وسكون الراء وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف، ويقال: الترابية. وفي (قاضيخان): التربية على لون التربة. وقيل فيها: تربية على وزن تفعلة، من الرؤبة، وقيل تريبة على وزن فعيلة، وقيل: تربية بالتشديد والتخفيف بغير همزة.
326 ح دثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا إسماعيل عن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا مطابقته للترجمة ظاهرة وهي أن الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليس بشيء.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: قتيبة وقد تكرر ذكره. الثاني: إسماعيل بن أبي علية تقدم في باب حب رسول الله من الإيمان. الثالث: أيوب السختياني. الرابع: محمد بن سيرين. وقد تكرر ذكره. الخامس: أم عطية، قد مر ذكرها عن قريب.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: رواية من رأى أنس بن مالك عن الصحابية. وفيه: أنه موقوف، كذا قاله ابن عساكر، ولكن قولها: كنا، يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: مع علمه بذلك وتقريره إياهن، وهذا في حكم المرفوع.
ذكر من أخرجه غيره: أخرجه أبو داود في الطهارة عن مسدد. وأخرجه النسائي فيه عن عمرو بن زرارة. وأخرجه ابن ماجة فيه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب به. وقال المدني: رواه وهيب عن أيوب عن حفصة عن أم عطية، قال محمد بن يحيى: خبر وهيب أولاهما عندنا. فإن قلت: ما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لمتابعة معمر له عن أيوب، لأن إسماعيل أحفظ لحديث أيوب من غيره، ويجوز أن يكون أيوب قد سمعه من محمد ومن حفصة كليهما.
ذكر استنباط الأحكام: يستنبط منه أن الكدرة والصفرة لا تكون حيضا إذا كانت في غير أيام الحيض، وهو معنى قولها: (لا نعد الكدرة والصفرة شيئا) أي: شيئا معتدا به. وإنما قيدنا بقولنا: إذا كانت في غير أيام الحيض، لأن المراد من الحديث هكذا. ويوضحه رواية أبي داود عن أم عطية، وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»