عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٣٠٨
وقال معتمر عن أبيه سألت ابن سيرين عن المرأة ترى الدم بعد قرئها بخمسة أيام قال النساء أعلم بذلك.
معتمر هو ابن سليمان، وكان أعبد أهل زمانه، وأبو سليمان بن طرحان، قال شعبة: ما رأيت أصدق من سليمان، كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه. وقال: شكه يقين، وكان يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة. وابن سيرين هو محمد بن سيرين تقدم، ووصل هذا الأثر الدارمي عن محمد بن عيسى عن معتمر، قال الكرماني: قوله بعد قرئها أي: طهرها لا حيضها بقرينة لفظ الدم، والغرض منه أن أقل الطهر هل يحتمل أن يكون خمسة أيام أم لا؟. قلت: ليس المعنى هكذا، وإنما المعنى أن ابن سيرين سئل عن امرأة كان لها حيض معتاد، ثم رأت بعد أيام عادتها خمسة أيام أو أقل أو أكثر، فكيف يكون حكم هذه الزيادة؟ فقال ابن سيرين: هي أعلم بذلك، يعني التمييز بين الدمين راجع إليها، فيكون المرئي في أيام عادتها حيضا، وما زاد على ذلك استحاضة، فإن لم يكن لها علم بالتمييز يكون حيضها ما تراه إلى أكثر مدة الحيض، وما زاد عليها يكون استحاضة، وليس المراد من قوله: بعد قرئها، أي: طهرها، كما قال الكرماني، بل المراد: بعد حيضها المعتاد، كما ذكرنا. وقال صاحب (التلويح)، بعد ذكر هذا الأثر عن ابن سيرين: وهذا يشهد لمن يقول: القرء الحيض، وهو قول أبي حنيفة. وقال السفاقسي: وهو قول ابن سيرين وعطاء وأحد عشر صحابيا والخلفاء الأربعة وابن عباس وابن مسعود ومعاذ وقتادة وأبو الدرداء وأنس رضي الله تعالى عنهم، وهو قول ابن المسيب وابن جبير وطاووس والضحاك والنخعي والشعبي والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي عبيد.
325 ح دثنا أحمد بن أبي رجاء قال حدثنا أبو أسامة قال سمعت هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت اني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إن ذلك عرق ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي..
وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة أنه صلى الله عليه وسلم وكل ذلك إلى أمانتها وعادتها، فقد يقل ذلك ويكثر على قدر أحوال النساء في أسنانهن وبلدانهن.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: أحمد بن أبي رجاء، بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد، واسمه عبد الله بن أيوب الهروي، ويكنى أحمد بأبي الوليد، وهو حنفي النسب لا المذهب، مات بهراة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. الثاني: أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي. الثالث: هشام بن عروة. الرابع: أبو عروة بن الزبير بن العوام. الخامس: عائشة الصديقة، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار بصيغة الإفراد في موضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: السماع. وفيه: أن رواته ما بين هروي وكوفي ومدني.
وقد ذكرنا أكثر بقية الأشياء في باب الاستحاضة وفي باب غسل الدم مستقصى.
قوله: (قالت: بيان لقولها: (سألت)، ويروى: (فقالت)، بالفاء التفسيرية. قوله: (استحاض) بضم الهمزة على بناء المجهول، كما يقال: استحيضت. ولم يبن هذا الفعل للفاعل، وأصل الكلمة من الحيض، والزوائد للمبالغة. قوله: (أفأدع؟) سؤال عن استمرار حكم الحائض في حالة دوام الدم وإزالته، وهو كلام من تقرر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة. قوله: (إن ذلك عرق)، أي: دم عرق، وهو يسمى بالعاذل. قوله: (ولكن) للاستدراك. فإن قيل: لا بد أن يكون بين كلامين متغايرين. أجيب: بأن معناه: لا تتركي الصلاة في كل الأوقات، لكن اتركيها في مقدار العادة. ولفظ: قدر الأيام، مشعر بأنها كانت معتادة. قوله: (دعي الصلاة) أي: اتركي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، مثلا إن كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام من أولها، أو من وسطها، أو من آخرها تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر، نظير ذلك فإن قلت من أين كانت تحفظ فاطمة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام الصحة؟ قلت: لو لم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها) من الشهر، فائدة. وقد جاء في رواية أبي داود وغيره، في حديث أم سلمة (لتنظر عدة الليالي والأيام
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»