عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٧
8 ((باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى)) أي: هذا باب في بيان مسح المغتسل يده بالتراب لتكون أنقى أي: أطهر، وكلمة. من محذوفة. أي: (أنقى) من غير الممسوحة، وذلك لأن أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بالإضافة أو باللام أو بمن، والضمير في: لتكون، اسم. كان، وخبره قوله: أنقى، ولا مطابقة بينهما، مع شرط بين اسم كان وخبره، وجه ذلك أن أفعل التفضيل إذا كان بمن فهو مفرد مذكر لا غير.
260 حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط ثم غسلها ثم توضأ وضوءه للصلاة فلما فرغ من غسله غسل رجليه.
.
مطابقة الحديث للترجمة في قوله: ثم دلك الحائط بها.
فإن قلت: هذه الترجمة قد علمت من حديث الباب المتقدم في قوله: (ثم قال بيده الأرض فمسها بالتراب) فما فائدة التكرار؟ قلت: قال الكرماني: عرض البخاري من أمتا له الشعور باختلاف استخراجات الشيوخ وتفاوت سياقاتهم، مثلا عمر بن حفص روى هذا الحديث في معرض بيان المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، والحميدي رواه في بيان معرض مسح اليد بالتراب فحافظ على السياق وما أستخرجه الشيوخ فيه مع ما فيه من التقوية والتأكيد. قلت: هاهنا فائدة أخرى. وهي: أن في الباب الأول دلك اليد على التراب، وهاهنا دلك اليد على الحائط، وبينهما فرق.
ذكر رجاله وما في السند من اللطائف أما رجاله فهم سبعة مثل رجال الحديث المذكور في الباب السابق، فير أن شيخه هاهنا الحميدي عن سفيان بن عيينة، وبقية الرجال متحدة.
وأما لطائفه ففيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في أربعة مواضع. وفيه: رواية الأكثرين: حدثنا الحميدي، وفي بعضها: حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، وفي بعضها حدثنا الحميدي، عبد الله بن الزبير. قوله: (فغسل فرجه) قال الكرماني: فإن قلت: الفاء للتعقيب، وغسل الفرج ليس متعقبا على الاغتسال بل مقدم عليه، وكذا الدلك والوضوء. قلت: الفاء تفصيلية، لأن هذا كله تفصيل للاختصار المجمل، والتفصيل يعقب المجمل، وأخذ منه عبضهم وقال: هذه الفاء تفسيرية وليس بتعقيبية، لأن غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ انتهى قلت: من دقق النظر وعرف أسرار العربية يقول: الفاء، هاهنا عاطفة ولكنها للترتيب، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فرتب غسله، فغسل فرجه ثم توضأ، وكون الفاء للتعقيب لا يخرجها عن كونها عاطفة.
بيان الأحكام قد مر مستقصى.
9 ((باب هل يدهل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة)) أي: هذا باب في بيان هل يدخل الجنب يده؟ إلخ. قوله: (في الإناء) أي الإناء الذي فيه الماء. قوله: (قذر) أي: شيء مستكره من نجاسة وغيرها. قوله: (غير الجنابة) يشعر بأن الجنابة نجس وليس كذلك، لأن المؤمن لا ينجس كما ثبت ذلك في الصحيح، وقال بعضهم: غير الجنابة أي: حكمها، لأن أثرها مختلف فيه، فدخل في قوله: (قذر) قلت: لم يدخل الجنابة في القذر أصلا لأنها أمر معنوي لا يوصف بالقذر حقيقة، فما مراد هذا القائل من قوله: أي حكمها؟ فإن كان الاغتسال، فلا دخل له هاهنا وإن كان النجاسة فقد قلنا إن المؤمن لا ينجس، وكذا إن كان مراده من قوله: لأن أثرها أي: المني وهو طاهر في زعمه.
وأدخل ابن عمر والبراء ابن عازب يده في الطهور ولم يغسلها ثم توضأ الكلام فيه على أنواع.
الأول: أن الواو في قوله: (وأدخل) ما هي؟ قلت: ذ (قد ذكرت غير مرة أن هذه الواو، تسمى: واو، الاستفتاح يستفتح بها كلامه، وهو السماع من المشايخ الكبار.
الثاني: أن هذا الأثر غير مطابق للترجمة على الكمال، لأن الترجمة مقيدة والأثر مطلق.
الثالث: أن هذا معلق أما أثر ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، فقد وصله سعيد بن منصور بمعناه، وأما أثر البراء فقد وصله ابن أبي شيبة بلفظ أنه أدخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) أخبرنا محمد بن فضيل عن أبي سنان ضرار، عن محارب عن ابن عمر قال: من ماء وهو جنب فما بقي نجس
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»