عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٦
يتجزأ ويتفرق وينفصل، فيقول فيه بالتسكين، وتقول في القسم الثاني، احتجم وسط رأسه، وقعد وسط الدار، فقس على هذا وفي (الواعي) لأبي محمد، قال الفراء: سمعت يونس يقول: وسط ووسط بمعنى، وفي (المخصص) عن الفارسي: سوى بعض الكوفيين بين وسط ووسط فقال: هما ظرفان وإسمان.
ومما يستنبط منه أن المغتسل يستحب له أن يجهز الإناء الذي فيه الماء ليغتسل منه، ويستحب له أن يبدأ بشقه الأيمن ثم بالشق الأيسر، ثم على وسط رأسه، ويستنبط من قولها كان النبي صلى الله عليه وسلم، مداومته على ذلك لأن هذه اللفظة تدل على الاستمرار والدوام، والله أعلم.
7 ((باب المضمضة والإستنشاق في الجنابة)) أي: هذا باب في بيان حكم المضمة والاستنشاق في غسل الجنابة هل هما واجبان أم سنتان؟ وقال بعضهم: أشار ابن بطال وغيره إلى أنالبخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث، لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث، (ثم توضأ وضوءه للصلاة) فدل على أنهما للوضوء وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب. والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء، فإذا اسقط الوضوء سقط توابعه، ويحمل ما روى من صفة غسله، عليه الصلاة والسلام، على الكمال والفضل، قلت: هذا الاستدلال غير صحيح لأن هذا الحديث ليس له تعلق بالحديث الذي يأتي وفيه التصريح بالمضمضة والاستنشاق ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركهما، فدل على المواظبة وهي تدل على الوجوب. فإن قلت: ما الدليل على المواظبة؟ قلت: عدم النقل عنه بتركه إياهما، وسقوط الوضوء القصدي لا يستلزم سقوط الوضوء الضمني، وعلى كل حال لم ينقل تركهما، وأيضا النص يدل على وجوبهما، كما ذكرنا فيما مضى.
259 حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي قال الأعمش قال حدثني سالم عن كريب عن ابن عباس قال حدثنا ميمونة قالت صببت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فأفرغ بيمينه على يساره فغسلهما ثم غسل فرجه ثم قال بيده الأرض فسحها بالتراب ثم غسلها ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه وأفاض على رأسه ثم تنحى فغسل قدميه ثم أتي بمنديل فلم ينقض بها.
.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله وهم سبعة: الأول: عمر بن حفص بن غياث؟ بكسر الغين المعجمة وفي آخره ثاء مثلثة، مات سنة ست وعشرين ومائتين. الثاني: أبوه حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي. ولي القضاء ببغداد أوثق أصحاب الأعمش ثقة ففيه عفيف حافظ، مات سنة ست وتسعين ومائة. الثالث: سليمان الأعمش. الرابع: سالم ابن أبي الجعد التابعي. الخامس: كريب. السادس: عبد الله بن عباس. السابع: ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم.
ذكر لطائفه إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع واحد. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: رواية التابعي عن التابعي. وفيه: رواية الصحابي عن الصحابية. وفيه: أن رواته ما بين كوفي ومدني. وفيه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث في رواية الأكثرين، وفي رواية الأصيلي: حدثنا عمر بن حفص أي: ابن غياث.
ذكر معناه. قوله: (غسلا) بالضم أي: ماء للاغتسال. قوله: (ثم قال بيده الأرض) أي: ضرب بيده الأرض، وقد ذكرنا عن قريب أن العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام، سيجئ في رواية في هذا الموضع: (فضرب بيده الأرض) قوله: (ثم تنحى) أي: بعد عن مكانه. قوله: (بمنديل) بكسر الميم، واشتقافه من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، ويقال: تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال أيضا تمندلت به وأنكرها الكسائي. ويقال تمدلت: وهو لغة فيه قوله: (فلم ينفض بها) زاد في رواية كريمة، قال أبو عبد الله يعني لم يتمسح، وقال الجوهري: النفض التنشف، وإنما أنث الضمير لأن المنديل في معنى الخرقة، وعن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها).
والأحكام المستنبطة منها قد ذكرت عن قريب.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»