عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٥
منهما يقع في مبتدأ الغسل، ويحتمل أيضا أنه بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب، يعني به تارة ويطلب ظرف الطيب، وتارة يطلب نفس الطيب، كذا قاله الكرماني، ولكن يرده ما رواه الإسماعيلي من طريق مكي بن إبراهيم عن حنظلة في هذا الحديث كان يغتسل بقدح، بدل قوله: بحلاب، وزاد فيه. كان يغسل يديه ثم يغسل وجهه ثم يقول بيده ثلاث غرف.
258 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة داا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر فقال بهما على وسط رأسه.
رجاله خمسة: محمد بن المثنى وقد مر، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البصري المتفق عليه علما وعملا، ولقب بالنبيل لأن شعبة حلف أنه لا يحدث شهرا فبلغ ذلك، أبا عاصم فقصده فدخل مجلسه، فقال: حدث وغلام العطار عن كفارة يمينك، فأعجبه ذلك، وقال: أبو عاصم النبيل، فلقب به وقيل لغير ذلك، وحنظلة ابن أبي سفيان القرشي تقدم في باب دعاؤكم وإيمانكم، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، أفضل أهل زمانه، كان ثقة عالما فقيها من الفقهاء السبعة بالمدينة، إماما ورعا من خيار التابعين مات سنة بضع ومائة.
بيان لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضع. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: أن أبا عاصم من كبار شيوخ البخاري: وقد أكثر عنه في هذا الكتاب، لكنه نزل في هذا الإسناد فأدخل بينه وبينه محمد بن المثنى. وفيه: أن رواته ما بين بصري ومكي ومدني.
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي جميعا في الطهارة عن محمد بن المثنى عن أبي عاصم عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
ذكر لغاته ومعناه قوله: (كان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل) أي: إذا أراد أن يغتسل. قوله: (دعا) أي: طلب. قوله: (نحو الحلاب) أي: إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقل من شبر في شبر، أخرجه أبو عوانة في (صحيحه) عنه، وفي رواية لابن حبان: وأشار أبو عاصم بكفيه، حكاية حلق شبريه، يصف به دوره الأعلى وفي رواية للبيهقي (كقدر كوز يسع ثمانية أرطال) وفي حديث مكي عن القاسم: (إنه سئل كم يكفي من غسل الجنابة، فأشار إلى القدح والحلاب)، ففيه بيان مقدار ما يحتمل من الماء لا الطيب والتطيب، ومن له ذوق من المعاني وتصرف في التراكيب يعلم أن الحلاب المذكور في الترجمة إنما هو الإناء ولم يقصد البخاري إلا هذا غير أن القوم أكثروا الكلام فيه من غير زيادة فائدة، ولفظ الحديث أكبر شاهد على ما ذكرناه لأنه قال: دعا بشيء نحو الحلاب: فلفظ: نحو: هاهنا بمعنى: المثل، ومثل الشيء غيره، فلو كان دعا بالحلاب كان ربما يشكل على أن في بعض الألفاظ دعا بإناء مثل الحلاب قوله: (فأخذ بكفه) بالإفراد، وفي رواية الكشميهني: بكفيه، بالتثنية، وكذا وقع في رواية مسلم بعد قوله: (الأيسر) وكذا وقع في رواية أبي داود قوله: (فقال بهما) أي: بكفيه، وهذا يدل على أن الرواية الصحيحة، فأخذ بكفيه، بالتثنية حيث أعاد الضمير بالتثنية. وأما على رواية مسلم فظاهر، لأنه زاد في روايته بعد قوله: (الأيسر) (فأخذ بكفيه) ومعنى: قال بهما. قلب بكفيه على وسط رأسه والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال، وتطلقه أيضا على غير الكلام فتقول: قال بيده، أي: أخذ، وقال برجله، أي: مشى قال الشاعر:
* وقالت له العينان سمعا وطاعة * أي: أومأت وجاء في حديث آخر: (فقال بثوبه) أي: دفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع، ويقال: إن قال: يجيء لمعان كثيرة بمعنى: أقبل ومال واستراح وذهب وغلب وأحب وحكم وغير ذلك، وسمعت أهل مصر يستعملون هذا في كثير من ألفاظهم، ويقولون: أخذ العصا وقال به كذا أي ضرب به، وأخذ ثوبه وقال به عليه، أي: لبسه وغير ذلك، يقف على هذا من تتبع كلامهم قوله: (وسط رأسه) بفتح السين، وقال الجوهري بالسكون ظرف، وبالحركة اسم، وكل موضع صلح فيه بين فهو بالسكون، وإن لم يصلح فيه فهو بالتحريك، وقال المطرزي: سمعت ثعلبا يقول: استنبطنا من هذا الباب أن كل ما كان أجزاء ينفصل. قلت: فيه وسط بالتسكين، وما كان لا ينفصل ولا يتفرق، قلت: بالتحريك. تقول من الأول: أجعل هذه الحرزة وسط السبحة، وانظم هذه الياقوتة وسط القلادة، وتقول أيضا منه، لا تقعد وسط الحلقة، ووسط القوم، هذا كله
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»