أنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل بإزار كان أو مستترا. إلا بعد توكيده بضمير منفصل نحو: * (لقد كنتم أنتم وآباؤكم) * (سورة الأنبياء: 54) قوله: (نحو من صاع) بالجر والتنوين في نحو لأنه صفة إناء وفي رواية كريمة (نحوا) بالنصب، فيحتمل وجهين: أحدهما: كون موصوفه منصوب المحل لأنه مفعول قوله: (فدعت) والآخر: بإضمار: أعني. ونحوه. قوله: (وأفاضت) أي: أسالت الماء على رأسها، وهذه الجملة كالتفسير لقوله: (فاغتسلت) قوله: (وبيننا وبينها حجاب) جملة وقعت حالا.
وقال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل للمحرم نظره من ذات الرحم، ولولا أنهما شاهدا ذلك لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى، إذ لو فعلت ذلك لكنه في ستر عنهما لرجع الحال إلى وصفها لهما وإنما فعلت الستر لستر أسافل البدن وما لا يحل للمحرم النظر إليها، وفي فعلها هذا دلالة على استحباب العلم بالفعل، فإنه أوقع في النفس من القول، وأدل عليه وقال بعضهم: ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية فأتت لهما ما يدل على الأمرين معا أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء، وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع. قلت: لا نسلم أن السؤال عن الكمية أيضا، ولئن سلمنا فلم تبين إلا الكيفية ولا تعرض فيه للكمية لأنه قال: (فدعت بإناء نحو من صاع) فلا يدل ذلك على حقيقة الكمية، لأنها طلبت إناء ماء مثل صاع، فيحتمل أن يكون ذلك الماء ملء الإناء أو أقل منه. وفيه: ما يدل على أن العدد والتكرار في إفاضة الماء ليس بشرط، والشرط وصول الماء إلى جميع البدن.
قال أبو عبد الله قال يزيد بن هارون وبهز والجدي عن شعبة قدر صاع.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه حاصل كلامه أن هؤلاء الثلاثة رووا عن شعبة بن الحجاج هذا الحديث، ولفظه، (قدر صاع) بدل: نحو من صاع، ويزيد بن هارون مر في باب التبرز في البيوت، ونهز، بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وفي آخره زاي معجمة، ابن أسد أبو الأسود الإمام الحجة البصري، مات بمر وفي بضع وتسعين ومائة، والجدي، بضم الجيم وتشديد الدال. نسبة إلى جدة التي بساحل البحر من ناحية مكة، وهو عبد الملك بن إبراهيم مات سنة خمس ومائتين، وأصله من جدة لكنه سكن البصرة، وروى له أبو داود والبخاري مقرونا بغيره. قوله: (عن شعبة) متعلق بهؤلاء الثلاثة، وهذه متابعة ناقصة ذكرها البخاري تعليقا أما طريف يزيد فرواها أبو نعيم في (مستخرجه) عن أبي بكر بن خلاد عن الحارث بن محمد عنه، وكذلك رواه أبو عوانة في (مستخرجه) وأما طريق بهز فرواها الإسماعيلي: حدثنا المنيعي يعقوب وأحمد حدثنا إبراهيم قالا: حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة. وأما طريق الجد فلم أقف عليه. قوله: (قدر صاع) تقديره: فدعت بإناء قدر صاع، ويجوز الوجهان المذكوران في: نحو من صاع، هاهنا. وقال بعضهم: والمراد من الروايتين أن الاغتسال وقع بملء الصاع من الماء تقريبا لا تحديدا. قلت: هذا القائل ذكر في الباب السابق من حديث مجاهد عن عائشة أنه حرز الإناء ثمانية أرطال، إن الحزر لا يعارض به التحديد، ونقض كلامه هذا بقوله: والمراد من الروايتين إلى آخره.
5 - (حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال حدثنا أبو جعفر أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه وعنده قوم فسألوه عن الغسل فقال يكفيك صاع فقال رجل ما يكفيني فقال جابر كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخير منك ثم أمنا في ثوب) هذا أيضا مطابق للترجمة.
(بيان رجاله) وهم سبعة * الأول عبد الله بن محمد الجعفي تقدم عن قريب * الثاني يحيى بن آدم الكوفي مات سنة ثلاث ومائتين * الثالث زهير بضم الزاي بن معاوية الكوفي ثم الجزري * الرابع أبو إسحاق السبيعي بفتح السين عمرو بن عبد الله الكوفي * الخامس أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر دفن بالبقيع في القبة المشهورة بالعباس تقدم في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. السادس أبوه هو زين العابدين. السابع جابر الصحابي رضي الله تعالى عنه.
(بيان لطائف إسناده) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع