عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٢٤
الأعمش مدلس، وعنعنة المدلس لا تعتبر إلا إذا علم سماعه، فأراد التصريح بالسماع، إذ الإسناد الأول معنعن. فإن قلت: قال في الأول حدثنا محمد بن المثنى، وقال ههنا: قال ابن المثنى، هل بينهما فرق؟ قلت: بلى أشار به إلى أن قال: أحط درجة من حدث كما يقول في بعض المواضع في إسناد واحد: حدثني، بالإفراد و: حدثنا، بالجمع. فان قلت: مجاهد في هذه الطريقة يروي عن طاووس أو عن ابن عباس؟ قلت: الظاهر أنه يروي عن طاووس عن ابن عباس، لأنه قال مثله ومثل الشيء غيره.
57 ((باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الاعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد)) أي: هذا باب في بيان ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي الذي قدم المدينة ودخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبال فيه، فلم يتعرض إليه أحد بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من بوله، كما يأتي كل ذلك مفسرا إن شاء الله تعالى.
فقوله: (والناس)، بالجر عطف على لفظ: النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مجرور بالإضافة، والتقدير: وتكر الناس، ويجوز: الناس، بالرفع عطفا على المحل، لأن لفظ الترك مصدر مضاف إلى فاعله، والأعرابي نسبة إلى الأعراب لأنه لا واحد لهم، وهم سكان البادية، والعربي نسبة إلى العرب، وهم أهل الأمصار وليس الأعراب جمعا للعرب، وقد ذكرنا الكلام فيه مستقصى فيما تقدم، والألف واللام في: الأعرابي، وفي: المسجد، للعهد الذهني، وعن قريب يأتي من الأعرابي مع الخلال فيه.
وجه المناسبة بين هذا الباب، والباب الذي قبله هو اشتمال كل منهما على أن حكم البول إزالته، فذكر في الباب السابق الغسل، وفي هذا الباب صب الماء عليه، وحكمه حكم الغسل.
219 حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام قال أخبرنا إسحاق عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أعرابيا يبول في المسجد فقال دعوه حى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله وهم أربعة. الأول: موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، مر في كتاب الوحي. الثاني: همام بن يحيى بن دينار العوذي، بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة: كان ثقة ثبتا في كل المشايخ، مات سنة ثلاث وستين ومائة. الثالث: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة بن سهل الأنصاري، تقدم في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس. الرابع: أنس بن مالك.
بيان لطائف اسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع. وفيه: العنعنة في موضع واحد. وفيه: أن رواته ما بين بصري ومدني.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري ههنا. وأخرجه مسلم أيضا في الطهارة عن زهير بن حرب عن عمرو بن يونس عن عكرمة بن عمار اليماني عن إسحاق عن أنس. وأخرجه البخاري أيضا عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت أنسا رضي الله تعالى عنه، كما سيأتي عن قريب. وأخرجه مسلم في الطهارة عن أبي موسى عن يحيى بن القطان، وعن يحيى بن يحيى وقتيبة، وكلاهما عن عبد العزيز بن عمر. وأخرجه الترمذي أيضا عن سعيد ابن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان بن عيينة، وفات المزي هذا في الأطراف. وأخرجه النسائي عن سويد بن نصر وعن قتيبة. وأخرجه البخاري أيضا عن أبي هريرة في الطهارة ههنا، كما يأتي عن قريب. وأخرجه أيضا في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عنه به. وأخرجه النسائي في الطهارة عن دحيم عن عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن الزهري به نحوه. وأخرجه أبو داود من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: (أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فقال النبي، عليه الصلاة والسلام، لقد تحجرت واسعا، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلا من ماء، أو قال؛ ذنوبا من ماء). وأخرجه الترمذي في آخر الطهارة، والنسائي أيضا في الطهارة، ولم يذكر قصة البول. وأخرجه ابن ماجة من حديث أبي سلمة عن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ومن حديث علي ابن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: (دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: اللهم
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»