عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٤
التركيب أن يكون مجرورا، عطفا على المضاف إليه في قوله: باب فضل العلم، على تقدير: وجود الباب، أو على العلم في قوله: كتاب العلم، على تقدير عدم وجوده. وقال بعضهم: ضبطناه في الأصول بالرفع على الاستئناف. قلت: إن أراد بالاستئناف الجواب على السؤال فذا لا يصح، لأنه ليس في الكلام ما يقتضي هذا، وإن أراد الابتداء الكلام، فذا أيضا لا يصح، لأنه على تقدير الرفع لا يتأتى الكلام، لأن قوله: وقول الله، ليس بكلام، فإذا رفع لا يخلو إما أن يكون رفعه بالفاعلية، أو بالابتداء، وكل منهما لا يصح، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلعدم الخبر. فإن قلت: الخبر محذوف. قلت: حذف الخبر لا يخلو إما أن يكون جوازا أو وجوبا. فالأول: فيما إذا قامت قرينة، وهي وقوعه في جواب الاستفهام عن المخبر به، أو بعد إذا المفاجأة، أو يكون الخبر قبل قول وليس شيء من ذلك ههنا. والثاني: إذا التزم في موضعه غيره، وليس هذا أيضا كذلك، فتعين بطلان دعوى الرفع.
2 ((باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل.)) الكلام فيه على وجهين: الأول: أن باب، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى قوله: من سئل، ومن، موصولة. قوله: سئل، على صيغة المجهول، جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت صلة لها. وقوله: علما، نصب لأنه مفعول ثان، وقوله: وهو مشتغل في حديثه، جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في: سئل، وذكر قوله: فأتم، بالفاء وقوله: ثم أجاب، بكلمة: ثم، لأن إتمام الحديث حصل عقيب الاشتغال به. والجواب بعد الفراغ منه. الثاني: وجه المناسبة بين البابين على تقدير وجود الباب السابق في بعض النسخ، من حيث إن الباب الأول، وإن كان المذكور فيه فضل العلم، ولكن المراد التنبيه على فضل العلماء، كما حققنا الكلام فيه هناك، وهذا الباب فيه حال العالم المسؤول منه عن مسألة معضلة، ولا يسأل عن المسائل المعضلات إلا العلماء الفضلاء العاملون الداخلون في قوله تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * (المجادلة: 11). وأما على تقدير عدم الباب السابق في النسخ، فالابتداء بهذا الباب الإشارة إلى ما قيل من أن العلم سؤال وجواب، والسؤال نصف العلم، فتميز هذا الباب عن بقية الأبواب التي تضمنها كتاب العلم، فاستحق بذلك التصدير على بقية الأبواب. فافهم.
59 حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا فليح (ح) وحدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح قال: حدثني أبي قال: حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال: وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال أين اراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول! الله قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
(الحديث 59 طرفه في: 6496).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله: وهم ثمانية: الأول: محمد بن سنان، بكسر السين المهملة وبالنونين، أبو بكر الباهلي العوقي البصري، روى عنه البخاري وأبو داود وأبو حاتم الرازي. قال يحيى بن معين: ثقة مأمون، وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن رجل عنه، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين. الثاني: فليح، بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة، ابن سليمان بن أبي المغيرة، وهو حنين ابن أخي عبيد بن حنين، وكان اسمه عبد الملك، ولقبه فليح واشتهر بلقبه، الخزاعي المدني، وكنيته أبو يحيى، روى عن نافع وعدة، وروى عنه عبد الله بن وهب ويحيى الوحاظي وابن أعين وشريح بن النعمان وآخرون، قال يحيى بن معين: هو ضعيف ما أقربه من ابن أبي أويس، وفي رواية عنه: ليس بقوي ولا يحتج به، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي أيضا: ليس بالقوي: وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به، وقد اعتمده البخاري في صحيحه، وقد روى عنه زيد بن أبي أنيسة، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وقال الحاكم: واجتماع البخاري ومسلم عليه في إخراجهما عنه في الأصول يؤكد أمره ويسكن القلب فيه إلى تعديل، توفي سنة ثمان وستين ومائة. الثالث: إبراهيم بن المنذر بن عبد الله ابن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»