(بيان المعاني) قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذكر لفظ كان لدلالته على الثبوت والدوام وذكر لفظ يقول بلفظ المضارع استحضار الصورة القول قوله إذا دخل الخلاء أي إذا أراد دخول الخلاء لأن اسم الله تعالى مستحب الترك بعد الدخول وهذا التقدير مصرح به في رواية سعيد بن زيد على ما يأتي عن قريب وهذا كما في قوله تعالى * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * والتقدير إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله وذلك لأن الله تعالى إنما يذكر في الخلاء بالقلب لا باللسان وقال القشيري المراد به ابتداء الدخول قلت لا يحتاج إلى هذا التأويل فإن المكان الذي تقضى فيه الحاجة لا يخلو إما أن يكون معدا لذلك كالكنيف أو لا يكون معدا كالصحراء فإن لم يكن معدا فإنه يجوز ذكر الله تعالى في ذلك المكان وإن كان معدا ففيه خلاف للمالكية فمن كرهه أول الدخول بمعنى الإرادة لأن لفظة دخل أقوى في الدلالة على الكنف المبنية منها على المكان البراح أو لأنه بين في حديث آخر كما ذكرناه وفي قوله عليه الصلاة والسلام أيضا إن هذه الحشوش محتضرة أي للجان والشياطين فإذا أراد أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث ومن أجازه استغنى عن هذا التأويل ويحمل دخل على حقيقتها وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عمرو بن مرزوق عن شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم عن النبي عليه الصلاة والسلام ولفظه فإذا أتى أحدكم الخلاء وأخرجه النسائي وابن ماجة أيضا وقال الترمذي حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواية فيه وسأل الترمذي البخاري عنه فقال لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس ولم يقض فيه بشيء ولهذا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وقال البزار اختلفوا في إسناده وقال الحاكم مختلف فيه على قتادة وقد احتج مسلم بحديث لقتادة عن النضر عن زيد ورواه سعيد عن القاسم وكلا الإسنادين على شرط الصحيح وقال محمد الإشبيلي اختلف في إسناده والذي أسنده ثقة قلت هذا الكلام غير جيد لأنه لم يرم بالإرسال حتى يكون الحكم لمن أسنده وإنما رمى بالاضطراب عن قتادة كما مر.
(بيان استنباط الأحكام) الأول فيه الاستعاذة بالله عند إرادة الدخول في الخلاء وقد أجمع على استحبابها وسواء فيها البنيان والصحراء لأنه يصير مأوى لهم بخروج الخارج فلو نسي التعوذ فدخل فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ وأجازه جماعة منهم ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. الثاني قال ابن بطال فيه جواز ذكر الله تعالى على الخلاء وهذا مما اختلفت فيه الآثار فروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أقبل من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام حتى تيمم بالجدار واختلف في ذلك أيضا العلماء فروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله تعالى عند الخلاء وهو قول عطاء ومجاهد والشعبي وقال عكرمة لا يذكر الله فيه بلسانه بل بقلبه وأجاز ذلك جماعة من العلماء وروى ابن وهب أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يذكر الله تعالى في المرحاض وقال العرزمي قلت للشعبي أعطس وأنا في الخلاء أحمد الله قال لا حتى تخرج فأتيت النخعي فسألته عن ذلك فقال لي احمد الله فأخبرته بقول الشعبي فقال النخعي الحمد يصعد ولا يهبط وهو قول ابن سيرين ومالك. وقال ابن بطال وهذا الحديث حجة لمن أجاز ذلك قلت فيه نظر لا يخفى وذكر البخاري في كتاب خلق الله تعالى أفعال العباد عن عطاء رحمه الله الخاتم فيه ذكر الله لا بأس أن يدخل به الإنسان الكنيف أو يلم بأهله وهو في يده لا بأس به وهو قول الحسن وذكر وكيع عن سعيد بن المسيب مثله قال البخاري وقال طاوس في المنطقة يكون على الرجل فيها الدراهم يقضي حاجته لا بأس بذلك وقال إبراهيم لا بد للناس من نفقاتهم وأحب بعض الناس أن لا يدخل الخلاء بالخاتم فيه ذكر الله تعالى قال البخاري وهذا من غير تحريم يصح. وأما حديث بئر جمل فهو على الاختيار والأخذ بالاحتياط والفضل لأنه ليس من شرط رد السلام أن يكون على وضوء قاله الطحاوي وقال الطبري أن ذلك منه كان على وجه التأديب للمسلم عليه أن لا يسلم بعضهم على بعض على الحدث وذلك نظير نهيه وهم كذلك أن يحدث بعضهم بعضا بقوله لا يتحدث المتغوطان على طوفهما يعني حاجتهما فإن الله يمقت على ذلك وروى أبو عبيدة الباجي عن الحسن عن البراء رضي الله تعالى عنه أنه سلم على النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتوضأ فلم يرد عليه شيئا حتى فرغ. الثالث فيه أن لفظ الاستعاذة أن يقول اللهم إني أعوذ بك وقد اختلف فيه ألفاظ الرواة