عمدة القاري - العيني - ج ٢ - الصفحة ٢٥٣
لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وهو عندي غير طلق بن علي ولا يعرف هذا من حديث طلق بن علي ولما ذكره الترمذي في الجامع من حديث علي بن طلق حسنه وذكره ابن حبان في صحيحه بلفظ إذا فسى أحدكم في الصلاة فلينصرف ثم ليتوضأ وليعد صلاته ثم قال لم يقل أحد وليعد صلاته إلا جرير بن عبد الحميد وقال أبو عبيد في كتاب الطهور إنما هو عندنا علي بن طلق لأنه حديثه المعروف وكان رجلا من بني حنيفة وأحسبه والد طلق بن علي الذي سأل عن مس الذكر وممن ذكره في مسند علي بن طلق أحمد بن منيع في مسنده والنسائي والكجي في سننيهما وأبو الحسين بن قانع في آخرين. ثم اعلم أن حقيقة المعنى في قوله حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا حتى يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بالإجماع فإن الأصم لا يسمع صوتا والأخشم الذي راحت حاسة شمه لا يشم أصلا وقال الخطابي لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يحدث بغيرهما وإنما هو جواب خرج على حرف المسألة التي سأل عنها السائل وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين وقد يخرج منه الريح ولا يسمع لها صوت ولا يجد لها ريحا فيكون عليه استئناف الوضوء إذا تيقن ذلك وقد يكون بأذنه وقر فلا يسمع الصوت أو يكون أخشم فلا يجد الريح والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى وهذا كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه لم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو الصوت دون غيره من إمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها (بيان استنباط الأحكام) الأول أن هذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارىء عليها والعلماء متفقون على هذه القاعدة ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها مثاله مسألة الباب التي دل عليها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث يحكم ببقائه على الطهارة سواء حصل الشك في الصلاة أو خارجها وهذا بالاجماع بين الفقهاء إلا عن مالك روايتان إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة ولا يلزمه إن كان في الصلاة والأخرى يلزمه بكل حال وحكيت الأولى عن الحسن البصري وهو وجه شاذ عند الشافعية ذكره الرافعي والنووي في الروضة وحكيت الثانية أيضا وجها للشافعية وهو غريب وعن مالك رواية ثالثة رواها ابن قانع عنه أنه لا وضوء عليه كما قاله الجمهور وحكاها ابن بطال عنه ونقل القاضي ثم القرطبي عن ابن حبيب المالكي أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث وكأنه تبع ظاهر الحديث واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط وعن بعض أصحاب مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر كما في الحديث طرح الشك وإن كان في سبب متقدم فلا وأما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع وعلى هذا الأصل من شك في طلاق زوجته أو عتق عبده أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس أو نجاسة الثوب أو غيره أو أنه صلى ثلاثا أو أربعا أو أنه ركع أو سجد أم لا أو نوى الصوم أو الصلاة أو الاعتكاف وهو في أثناء هذه العبادات وما أشبه هذه الأمثلة فكل هذه الشكوك لا تأثير لها والأصل عدم الحادث. وقالت الشافعية تستثنى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألة. منها من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها قيل أو فيها ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ لا أثر له على الأصح. ومنها عشر ذكرهن ابن القاص بتشديد الصاد المهملة من الشافعية في مدة خف وإن إمامه مسافر أو وصل وطنه أو نوى إقامة ومسح مستحاضة وثوب خفيت نجاسته ومسألة الظبية وبطلان التيمم بتوهم الماء وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتا قال القفال لم يعمل بالشك في شيء منها لأن الأصل في الأولى الغسل وفي الثانية الإتمام وكذا في الثالثة والرابعة أن أوجبناه والخامسة والسادسة اشتراط الطهارة ولو ظنا أو استصحابا والسابعة بقاء النجاسة والثامنة لقوة الظن والتاسعة للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء وفي الصيد تحريمه إن قلنا به * الثاني من الأحكام ما قالته الشافعية لا فرق في الشك بين تساوي الاحتمالين في وجوب الحدث وعدمه وبين ترجيح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه فالشك عندهم خلاف اليقين وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي وقولهم موافق لقول أهل اللغة الشك خلاف اليقين نعم يستحب الوضوء احتياطا فلو بان حدثه أولا فوجهان أصحهما لا يجزيه هذا الوضوء لتردده في نيته بخلاف ما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ ثم بان محدثا فإنه يجزيه قطعا
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»