وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكتبه، فأني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا يقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا.
هذا تعليق لم يقع وصله عند الكشميهني وكريمة وابن عساكر، ووقع وصله للبخاري عند غيرهم، وهو بقوله في بعض النسخ: حدثنا العلاء بن عبد الجبار... إلى آخره، على ما يأتي ذكره عن قريب. وقد روى أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) هذه القصة بلفظ: كتب عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، إلى الآفاق: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه.
أما عمر بن عبد العزيز فهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين، وقد مر في كتاب الإيمان، وأما أبو بكر بن حزم فهو: ابن محمد بن عمرو بن حزم، بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي، ابن زيد بن لودان بن عمر بن عبد عوف بن مالك بن النجار الأنصاري المدني. قال الخطيب: يقال: إن اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد، ومثله: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أحد الفقهاء السبعة. كنيته أبو عبد الرحمن. قال الخطيب: لا نظير لهما. وقد قيل في أبي بكر بن محمد: لا كنية له غير أبي بكر اسمه. وقال أبو عمر بن عبد البر: قيل: إن اسم أبي بكر بن عبد الرحمن هذا: المغيرة، ولا يصح. قلت: أراد الخطيب قوله: لا نظير لهما، أي: ممن اسمه أبو بكر وله كنية، وأما من اشتهر بكنيته ولم يعرف له اسم غيره فكثير، ذكر ابن عبد البر منهم جماعة، وأبو بكر بن حزم ولي القضاء والإمرة والموسم لسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وقال الواقدي: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ولى أبا بكر إمرة المدينة، فاستقضى أبو بكر ابن عمه على القضاء، وكان أبو بكر هو الذي يصلي بالناس ويتولى أمرهم، وكان يخضب بالحناء والكتم، توفي سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك وهو ابن أربع وثمانين سنة، روى له الجماعة إلا الترمذي، سئل يحيى بن معين عن حديث عثمان بن حكيم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرسل.
قوله: (انظر ما كان من حديث) أي: اجمع الذي تجد، ووقع هنا للكشميهني: عندك، معناه في بلدك. قوله: (فاكتبه) فيه إشارة إلى أن ابتداء تدوين الحديث النبوي كان في أيام عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر رضي الله عنه، وكان على رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى أن في تدوينه ضبطا له وإبقاء. قوله: (فإني) الفاء فيه للتعليل. قوله: (دروس العلم) بضم الدال، من: درس يدرس، من باب: نصر ينصر، دروسا أي: عفى ودرست الكتاب أدرسه وأدرسه من باب نصر ينصر وضرب يضرب درسا ودراسة ودرس الحنطة درسا ودراسا أي: داسها. قوله: (ولا يقبل) بضم الياء أعني حرف المضارعة. قوله: (وليفشوا) بصيغة الأمر من الإفشاء، وهو الإشاعة. ويجوز فيه تسكين اللام كما في بعض الروايات. وقوله: (العلم) بالنصب مفعوله. قوله: (وليجلسوا) بصيغة الأمر أيضا من الجلوس لا من الإجلاس، ويجوز في لامه التسكين أيضا. قوله: (حتى يعلم) على صيغة المجهول من التعليم، أعني بتشديد اللام، وفي رواية الكشميهني: حتى يعلم: بفتح حرف المضارعة واللام من العلم. قوله: (من لا يعلم) بصيغة المعلوم من العلم. وكلمة: من موصولة في محل الرفع لأنه فاعل يعلم الذي هو على صيغة المعلوم، وأما إذا قرىء على صيغة المجهول من التعليم فتكون مفعولا ناب عن الفاعل. فافهم. قوله: (لا يهلك) بفتح حرف المضارعة وكسر اللام، أي: لا يضيع. وفتح اللام لغة. وقرأ الحسن البصري وأبو حيوة وابن أبي إسحاق: * (ويهلك الحرث والنسل) * (البقرة: 25) بفتح الياء، واللام ورفع الثاء. قوله: (حتى يكون سرا) أي: خفية، وأراد به كتمان العلم.
وقال ابن بطال: في أمر عمر ابن عبد العزيز بكتابة حديث النبي، عليه الصلاة والسلام، خاصة وأن لا يقبل غيره، الحض على اتباع السنن وضبطها، إذ هي الحجة عند الاختلاف. وفيه: ينبغي للعالم نشر العلم وإذاعته.
حدثنا العلاء بن عبد الجبار قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك، يعني حديث عمر بن عبد العزيز، إلى قوله: ذهاب العلماء.
أشار بهذا إلى أنه روى أثر عمر بن عبد العزيز موصولا، و: لكن: (إلى قوله ذهاب العلماء) فسر ذلك بقوله: يعني حديث عمر بن