ليس على قوله: (فاجعل لنا يوما) بل العطف على جميع الجملة، أعني من قوله: (غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك). قوله: (يوما)، مفعول ثان: لوعد. قوله: (لقيهن فيه) أي: في اليوم الموعود به، واللقاء فيه إما بمعنى الرؤية، وإما بمعنى الوصول، ومحل الجملة الجملة النصب لأنها صفة: ليوما. ويحتمل أن يكون استئنافا. قوله: (فوعظهن) الفاء فيه فصيحة لأن المعطوف عليه محذوف إي: فوفى بوعدهن ولقيهن فوعظهن. وقوله: (وأمرهن) عطف على: وعظهن، وحذف المأمور به لإرادة التعميم، والتقدير: فوعظهن بمواعظ، وأمرهن بالصدقة أو بأمور دينية. ويجوز أن يكون: فوعظهن وأمرهن من تتمة الصفة لليوم. قوله: (فكان) الفاء فيه فصيحة. واسم: كان، هو قوله: (ما منكن امرأة) وخبره، قوله: (فيما قال لهن) أي: الذي قاله لهن. وفي رواية الأصيلي: (ما منكن من امرأة)، وكلمة: من، زائدة لفظا. وقوله: امرأة، مبتدأ. ومنكن، حال منها مقدم عليها، وخبر المبتدأ الجملة التي بعد آلة الاستثناء، لأنه استثناء مفرغ، إعرابه على حسب العوامل،. فإن قلت: كيف يقع الفعل مستثنى؟ قلت: على تقدير الاسم، أي: ما امرأة مقدمة إلا كائنا لها حجاب. وقوله: (تقدم) جملة في محل الرفع لأنها صفة لامرأة. وقوله: (ثلاثا) مفعول مقدم، وكلمة: من، بيانية. قلت: (حجابا) في رواية الأكثرين هكذا بالنصب، وفي رواية الأصيلي: (حجاب)، بالرفع. أما وجه النصب فعلى أنه خبر لكان، واسم كان التقديم الذي يدل عليه قوله: تقدم. وأما وجه الرفع فعلى كون: كان، تامة على معنى: إلا وقع لها حجاب أو حصل، أو وجد ونحو ذلك. وفي رواية البخاري في الجنائز: (إلا كن لها حجابا) على تقدير الأنفس التي تقدم، وفي الاعتصام: (إلا كانوا لها حجابا) أي: الأولاد. قوله: (واثنين)، وهو أيضا عطف على المنصوب بالتقدير المذكور، أي: ومن قدم اثنين. قال الكرماني: ومثله يسمى بالعطف التلقيني، ونحوه في القرآن: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي) * (البقرة: 124). قلت: قال الزمخشري: ومن ذريتي، عطف على: الكاف، كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي، كما يقال لك: سأكرمك، فتقول: وزيدا، وإنما أورد هذا المثال إشارة إلى جواب عما يقال إن: من ذريتي، مقول قول إبراهيم، و: جاعلك للناس، مقول قول الله تعالى، فكيف يعطف أحدهما على الآخر؟ فكأنه أجاب بإيراد المثال المذكور أنه عطف تلقين، كأنه قال: قل وجاعل بعض ذريتي.
بيان المعاني: قوله: (غلبنا عليك الرجال) معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يوما من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين. قوله: (ثلاثة) أي: ثلاثة أولاد. فإن قلت: الثلاثة مذكر فهل يشترط أن يكون الولد الميت ذكرا حتى يحصل لها الحجاب؟ قلت: تذكيره بالنظر إلى لفظ الولد، والولد يقع على الذكر والأنثى، وفي بعض النسخ: ثلاثا بدون الهاء، فإن صح فمعناه ثلاث نسمة، والنسمة تطلق على الذكر والأنثى. قوله: (فقالت امرأة) هي: أم سليم، وقيل غيرها والله أعلم. قوله: (قال: واثنين) دليل على أن حكم الاثنين حكم الثلاثة لاحتمال أنه أوحي إليه في الحين بأن يجيب، عليه الصلاة والسلام، بذلك. ولا يمتنع أن ينزل الوحي. عليه الصلاة والسلام، بذلك حين السؤال، ولا يمتنع أن ينزل الوحي على رسول الله، عليه الصلاة والسلام، طرفة عين. وقال النووي: ويجوز أن يكون أوحي إليه قبله. وقال أبو الحسن القابسي، وغيره: قد أخرج البخاري في كتاب الرقاق من حديث أبي هريرة ما يدل على أن الواحد كالاثنين، وهو قوله، عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: (ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه، إلا الجنة). وأي صفي أعظم من الولد؟ قلت: قد جاء في غير الصحيح ما يدل صريحا على أن الواحد كالاثنين والثلاثة، وهو ما رواه الترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار. فقال أبو ذر، رضي الله عنه: قدمت اثنين. قال: واثنين. قال أبي بن كعب، رضي الله تعالى عنه: قدمت واحدا. قال: وواحدا). قال ابن بطال وعياض وغيرهما في قول المرأة: (واثنين يا رسول الله)؟ وهي من أهل اللسان دليل على أن تعلق الحكم بعدد ما لا يدل من جهة دليل الخطاب على انتفائه عن غيره من العدد، لا أقل ولا أكثر. فإن قلت: هل للرجل مثل ما للمرأة إذا قدم الولد؟ قلت: نعم، لأن حكم المكلفين على السواء إلا إذا دل دليل على التخصيص.
بيان استنباط الأحكام: الأول: فيه سؤال النساء عن أمر دينهن وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك، وفيما لهن الحاجة إليه. الثاني: فيه جواز الوعد. الثالث: فيه جواز الأجر للثكلي. الرابع: قال المهلب وغيره: فيه دليل على أن أولاد المسلمين