أصحاب الجنة) * (الأعراف: 44) قوله الحسنة مرفوع بالابتداء (وبعشر أمثالها) في محل الرفع على الخبرية. قوله (إلى سبعمائة) يتعلق بمحذوف ومحلها النصب على الحال، أي: منتهية إلى سبعمائة. قوله: (والسيئة) مبتدأ، (وبمثلها) خبره، أي: لا يزاد عليها. قوله (إلا أن يتجاوز الله عنها) أي: عن السيئة، يعنى: يعفو عنها.
بيان المعاني: فيه استعمال المضارع موضع الماضي، والماضي المضارع لنكات ذكرناها، وفيه: الجملة الاستئنافية وهي قوله: (الحسنة بعشر أمثالها) وهي في الحقيقة جواب عن السؤال، ولا محل لها من الإعراب، وقد علم أن الجملة من حيث هي هي، غير معربة ولا تستحق الإعراب إلا إذا وقعت موقع المفرد، فحينئذ تكتسي إعرابه محلا، وقد نظم ابن أم قاسم النحوي الجمل التي لها محل من الإعراب والتي لا محل لها منه بثمانية أبيات، وهي قوله:
* جمل أتت ولها محل معرب * سبع لأن حلت محل المفرد * * خبرية، حالية، محكية * وكذا المضاف لها بغير تردد * * ومعلق عنها، وتابعة لما * هو معرب، أو ذو محل فاعدد * * وجواب شرط جازم بالفاء أو * بإذا وبعض، قال: غير مقيد * * وأتتك سبع ما لها من موضع:
* صلة، ومعترض، وجملة مبتدى * * وجواب أقسام، وما قد فسرت * في أشهر والخلف غير مبعد * * وبعيد تحضيض، وبعد معلق * لا جازم، وجواب ذلك أورد * * وكذاك تابعة لشيء ما له * من موضع، فاحفظه غير مفند * وقد نظمها الشيخ أثير الدين أبو حيان بستة أبيات، وهي قوله:
* وخذ جملا ستا، وعشرا فنصفها * لها موضع الإعراب جاء مبينا * * فوصفية، حالية، خبرية * مضاف إليها، واحك بالقول معلنا * * كذلك في التعليق والشرط والجزا * إذا عامل يأتي بلا عمل هنا * * وفي غير هذا لا محل لها كما * أتت صلة مبدوة فاتك العنا * * مفسر أيضا، وحشوا كذا أتت * كذلك في التحضيض نلت به الغنا * * وفي الشرط لم يعمل كذاك جوابه * جواب يمين مثله سرك المنى * قوله: (الحسنة بعشر أمثالها) من قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * (الأنعام: 160) وقوله: (إلى سبعمائة ضعف) من قوله تعالى: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء) * (البقرة: 261) فإن قيل: بين في الحديث الانتهاء إلى سبعمائة، وقوله تعالى: * (والله يضاعف لمن يشاء) * (البقرة: 261) يدل على أنه قد يكون الانتهاء إلى أكثر، والجواب: أن الله يضاعف تلك المضاعفة، وهي أن يجعلها سبعمائة، وهو ظاهر. وإن قلنا: إن معناه أنه يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها أيضا، فذلك في مشيئته تعالى، واما المتحقق فهو إلى السبعمائة فقط، وفيه نظر، لأنه صرح في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في الرقاق، ولفظه: (كتب الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة). وفي كتاب العلم، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، ثنا شيبان الأيلي، ثنا سويد بن حاتم، ثنا أبو العوام الجزار، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة أنه قال: (إن الله تعالى يعطي بالحسنة الفي ألف حسنة). وأيضا: ففي جملة حديث مالك، مما أسقطه البخاري (ان الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك)، فالله تعالى من فضله إذا كتب الحسنات المتقدمة قبل الاسلام فبالأولى أن يتفضل على عبده المسلم بما شاء من غير حساب، ونظير هذا الذي أسقطه البخاري ما جاء في حديث حكيم بن حزام: (أسلمت على ما أسلفت من خير). أخرجه البخاري في الزكاة، وفي العتق. ومسلم في الإيمان. فان قلت: لم أسقط البخاري هذه الزيادة؟ قلت: قيل: إنه أسقطه عمدا، وقيل: لأنه مشكل على القواعد، فقال المازري، ثم القاضي وغيرهما: ان الجاري على القواعد والأصول، أنه لا يصح من الكافر التقرب، فلا يثاب على طاعته في شركه، لأن من شرط التقرب أن يكون عارفا بمن تقرب