على الابتداء، والتقدير: لولا المشقة، ويجوز أن يكون مرفوعا بفعل محذوف، أي: لولا ثبت أن أشق، وقوله: أشق منصوب به. قوله: (ما قعدت) جواب لولا، وأصله: لما قعدت، فحذفت اللام منه. وقوله: (خلف) نصب على الظرفية، وسبب المشقة صعوبة تخلفهم بعده، ولا يقدرون على المسير معه لضيق حالهم، ولا قدرة له على حملهم، كما جاء مبينا في حديث آخر، حيث قال: (فإنه يشق عليهم التخلف بعده، ولا تطيب أنفسهم بذلك). قوله: (ولوددت) اللام للتأكيد، وهو عطف على قوله: ما قعدت، ويجوز أن تكون اللام فيه جواب قسم محذوف أي: والله لوددت أي: أحببت. قوله: (أن أقتل) في محل النصب على المفعولية، وأن، مصدرية، أي: القتل، والهمزة في المواضع الخمسة مضمومة. قوله: (ثم أحيى) أي: ثم أن أحيى، وكذلك التقدير في البواقي.
* (بيان المعاني: قوله: (إلا إيمان بي وتصديق برسلي): يريد خلوص نيته لذلك، وفيه التفات، وهو العدول من الغيبة، إلى ضمير المتكلم، والسياق كان يقتضي أن يقول: إلا إيمان به. قوله: (أن أرجعه) فيه حذف أي: إلى مسكنه. قوله: (بما نال) فيه استعمال الماضي موضع المضارع لتحقق وعد الله تعالى. قوله: (ثم أحيى) كلمة ثم، وإن كانت تدل على التراخي في الزمان، ولكنها ههنا حملت على التراخي في الرتبة، لأن المتمنى حصول مرتبة بعد مرتبة إلى أن ينتهي إلى الفردوس الأعلى.
استنباط الأحكام: فيه: فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله. وفيه: تمني الشهادة وتعظيم أجرها. وفيه: تمني الخير والنية فوق ما لا يطيق الإنسان وما لا يمكنه إذا قدر له، وهو أحد التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم: (نية المؤمن أبلغ من عمله) وفيه: بيان شدة شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم. وفيه: استحباب طلب القتل في سبيل الله. وفيه: جواز قول الإنسان: وددت حصول كذا من الخير الذي يعلم أنه لا يحصل. وفيه: إذا تعارض مصلحتان بدىء بأهمهما، وأنه يترك بعض المصالح لمصلحة أرجح منها، أو لخوف مفسدة تزيد عليها. وفيه: إن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين. وفيه: السعي في زوال المكروه والمشقة عن المسلمين. وفيه: إن من خرج في قتال البغاة وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك يدخل في قوله: (في سبيل الله) وإن كان ظاهره في قتال الكفار.
الأسئلة والأجوبة: منها ما قيل: جميع المؤمنين يدخلهم الله تعالى الجنة، فما وجه اختصاصهم بذلك؟ وأجيب: بأنه يحتمل أن يدخله بعد موته، كما قال الله تعالى: * (أحياء عند ربهم يرزقون) * (آل عمران: 169) ويحتمل أن يكون المراد: الدخول عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب، ولا مؤاخذة بذنوب، وتكون الشهادة مكفرة لها كما روي من قوله، عليه الصلاة والسلام: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين). رواه مسلم. ومنها ما قيل: إن المجاهد له حالتان: الشهادة والسلامة، فالجنة للحالة الأولى، والأجر والغنيمة للثانية ولفظه: أو في قوله: أو غنيمة، تدل على أن للسالم، إما الأجر، وإما الغنيمة لا كلاهما؟ وأجيب: بأن معنى: أو، لامتناع الخلو عنهما مع إمكان الجمع بينهما. ومنها ما قيل: ههنا حالة ثالثة للسالم وهو: الأجر بدون الغنيمة. وأجيب: بأن هذه الحالة داخلة تحت الحالة الثانية إذ هي أعم من الأجر فقط، أو منه مع الغنيمة. ومنها ما قيل: الأجر ثابت للشهيد الداخل في الجنة، فكيف يكون السالم والشهيد مقترنين في أن لأحدهما الأجر وللآخر الجنة، مع أن الجنة أيضا أجر؟ وأجيب: بأن هذا أجر خاص، والجنة أجر أعلى منه، فهما متغايران. أو أن القسمين هما الرجع والإدخال، لا الأجر والجنة. ومعنى الحديث: إن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرا بكل حال، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر فقط، وإما بأجر وغنيمة. ومنها ما قيل: بماذا هذا الضمان؟ وأجيب: بما سبق في علمه، وما ذكره في كتابه بقوله: * (إن الله اشترى) * (التوبة: 111) الآية: ومنها ما قيل: لا مشقة على الأمة في ودادة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن غاية ما في الباب وجود المتابعة في الودادة، وليس فيها مشقة. وأجيب: بأنا لا نسلم عدم المشقة، ولئن سلمنا فربما ينجر إلى تشييع مودوده، فيصير سببا للمشقة. ومنها ما قيل: إن الفرار إنما هو على حالة الحياة. فلم جعل النهاية هي القتل؟ وأجيب: بأن المراد هو الشهادة، فختم الحال عليها، أو أن الإحياء للجزاء وهو معلوم شرعا، فلا حاجة إلى ودادته، لأنه ضروري الوقوع. فافهم. ومنها ما قيل: إن القواعد تقتضي أن لا يتمنى المعصية أصلا، لا لنفسه ولا لغيره، فكيف تمناه؟ لأن حاصله أنه تمنى أن يمكن فيه كافر فيعصى فيه؟ وأجيب: بأن المعصية ليست مقصودة بالتمني، إنما المتمنى الحالة الرفيعة وهي الشهادة، وتلك تحصل تبعا. ومنها ما قيل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (بما نال من أجر أو غنيمة) يعارضه قوله عليه السلام في الصحيح: (ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا