عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٣٢
قد تعجلوا ثلثي أجرهم، وما من غازية أو سرية تخفق فتصاب إلا تم أجورهم). والإخفاق أن تغزو ولا تغتنم شيئا ولا يصح أن ينقص الغنيمة من أجرهم، كما لم تنقص أهل بدر، وكانوا أفضل المجاهدين. وأجيب: بأجوبة. الأول: الطعن في هذا الحديث، فإن في إسناده: حميد بن هانيء، وليس بالمشهور، وفيه نظر، لأنه أخرج له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال يحيى بن سعيد: حدث عنه الأئمة، وأحاديثه كثيرة مستقيمة. الثاني: إن الذي يخفق يزداد بالأجر، والأسف على ما فاتها من المغنم، ويضاعف لها كما يضاعف لمن أصيب بأهله وماله. الثالث: أن يحمل الأول على من أخلص في نيته لقوله: (لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي) ويحمل الحديث الثاني على من خرج بنية الجهاد والمغنم، فهذا شرك بما يجوز فيه التشريك، وانقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره، والأول خاص فكمل أجره. ونفى النووي التعارض لأن الغزاة إذا سلموا وغنموا تكون أجورهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت فقد تعجلوا ثلثي أجرهم. وقال القاضي: الحديث الذي فيه، بما نال من أجر وغنيمة، مطلق لأنه لم يقل فيه: إن الغنيمة تنقص الأجر، والحديث الثاني مقيد، وأما استدلالهم بغزوة بدر فليس فيه أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم مع الغنيمة، وكونهم مغفورا مرضيا عنهم لا يلزم منهم أن لا يكون فوقه مرتبة أخرى هي أفضل.
27 ((باب تطوع قيام رمضان من الإيمان)) أي: هذا باب. قوله: (تطوع) مرفوع بالابتداء مضاف إلى ما بعده، وخبره قوله: (من الإيمان)، وفي بعض النسخ: باب تطوع قيام شهر رمضان. والتطوع: تفعل، ومعناه: التكلف بالطاعة والتطوع بالشيء: التبرع به. وفي الاصطلاح: التنفل، والمراد من القيام هو القيام بالطاعة في لياليه، وقد ذكرنا وجه تخلل باب الجهاد من الإيمان بين هذا الباب وباب قيام ليلة القدر من الإيمان. ورمضان في الأصل مصدر: رمض إذا احترق من الرمضاء، ثم جعل هذا علما لهذا الشهر، ومنع الصرف: للتعريف والألف والنون، ولما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر.
37 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
(راجع الحديث رقم 35).
مطابقة الحديث للترجمة من حيث أن مباشرة العمل الذي فيه غفران ما تقدم من الذنوب شعبة من شعب الإيمان، والتقدير في الباب: باب تطوع قيام رمضان شعبة من شعب الإيمان.
بيان رجاله: وهم خمسة: الأول: إسماعيل بن أويس الأصبحي المدني، ابن أخت شيخه الإمام مالك. الثاني: مالك بن أنس. الثالث: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة المبشرة بالجنة، أبو إبراهيم، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان القرشي الزهري المدني، وأمه أخت عثمان بن عفان، أول المهاجرات من مكة إلى المدينة، قلت: اسمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، أخت عثمان لأمه، أخرج له البخاري هنا، وفي العلم ، وفي غير موضع عن الزهري وسعد بن إبراهيم وابن أبي مليكة عنه، عن أبي هريرة وأبي سعيد وميمونة، وأخرج له أيضا عن عثمان وسعيد بن زيد وغيرهما، سمع جمعا من كبار الصحابة منهم أبواه وابن عباس وأبو هريرة، وعنه الزهري وخلائق من التابعين وثقه أبو زرعة وغيره، وكان كثير الحديث، مات سنة خمس وتسعين بالمدينة عن ثلاث وسبعين سنة، وقيل: سنة خمس ومائة وهو غلط. واعلم أن البخاري ومسلما قد أخرجا لحميد بن عبد الرحمن الحميري البصري التابعي الفقيه، ولا يلتبس بهذا، وإن روي هذا عن ابن عباس وأبي هريرة أيضا وغيرهما فاعلمه. وما قلت من إخراج البخاري لهذا جزم به الكلاباذي في كتابه، والمزي في (تهذيبه)، وقال الشيخ قطب الدين في شرحه عن الحاكم، والحميدي، وصاحب الجمع وعبد الغني وغيرهم أنهم قالوا: لم يخرج له شيئا، ولم يخرج
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»