عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٢٦
سبع عشرة، وقيل: تسع عشرة، وحكي عن علي، رضي الله عنه، وقيل، آخر ليلة من الشهر. وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين، أو الثالث والعشرين ذكره الرافعي، وهو خارج عن المذكورات. الثالث: هل هي محققة ترى أم لا؟ فقال قوم: رفعت لقوله صلى الله عليه وسلم: حين تلاحى الرجلان رفعت، وهذا غلط، لأن آخر الحديث يدل عليه، وهو (عسى أن يكون خيرا لكم، التمسوها في السبع والتسع)، وفيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها، لا رفع وجودها. وقال النووي: أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، وهي موجودة ترى ويحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، وأخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى، وأما قول المهلب: لا يمكن رؤيتها حقيقة فغلط، وقال الزمخشري: ولعل الحكمة في إخفائها أن يحيي من يريدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها، فتكثر عبادته وأن لا يتكل الناس عند إظهارها على إصابة الفضل فيها، فيفرطوا في غيرها.
35 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
(الحديث 35 أطرافه: 37، 38، 1901، 2008، 2009، 2014).
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
بيان رجاله: وهم خمسة. قد ذكروا بهذا الترتيب في باب: حب الرسول، عليه السلام، وأبو اليمان: هو الحكم بن نافع، وشعيب هو ابن حمزة، وأبو الزناد، بالنون، عبد الله بن ذكوان القرشي، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز المدني القرشي قيل: أصح أسانيد أبي هريرة عن أبي الزناد عن الأعرج عنه.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في الصيام مطولا. وأخرجه مسلم ولفظه: (من يقم ليلة القدر فيوافقها، أراه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والموطأ، ولفظهم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). فتوفي رسول الله، عليه الصلاة والسلام، والأمر على ذلك. ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر: رضي الله عنهما، وأخرج البخاري ومسلم أيضا نحوه، وأخرج النسائي: (عن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان بفضله على الشهور). وقال: (من قام في رمضان إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). وقال: هذا خطأ، والصواب: أنه عن أبي هريرة.
بيان اللغات: قوله: (من يقم)، بفتح الياء، من قام يقوم، وهو متعد ههنا، والدليل عليه ما جاء في رواية أخرى للبخاري ومسلم: عن أبي هريرة قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان: من قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). وفي رواية للنسائي: (فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). قوله: (إيمانا)، أي تصديقا بأنه حق وطاعة. قوله: (واحتسابا)، أي: إرادة وجه الله تعالى لا لرياء ونحوه، فقد يفعل الإنسان الشيء الذي يعتقد أنه صادق، لكن لا يفعله مخلصا، بل لرياء أو خوف أو نحو ذلك، يقال احتسابا أي: حسبه الله تعالى. يقال: احتسبت بكذا أجرا عند الله تعالى، والاسم الحسبة، وهي الأجر. وفي (العباب): احتسبت بكذا أجرا عند الله، أي: اعتددته أنوي به وجه الله تعالى، ومنه قوله عليه السلام: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا) الحديث واحتسبت عليه كذا: أي أنكرته عليه، قاله ابن دريد، ومنه: محتسب البلد. قوله: (غفر له) من الغفر، وهو الستر، ومنه المغفر وهو الخودة، وفي (العباب) الغفر التغطية، والغفر والغفران والمغفرة واحد، ومغفرة الله لعبده إلباسه إياه العفو وستره ذنوبه.
بيان الإعراب والمعاني: قوله: (من يقم)، كلمة: من، شرطية، و: يقم، جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، قوله: (ليلة القدر) كلام إضافي مفعول به، ليقم، وليس بمفعول فيه. قوله: (إيمانا واحتسابا) منصوبان على أنهما حالان متداخلتان أو مترادفتان على تأويل: مؤمنا ومحتسبا. وقال الكرماني: وحينئذ لا تدل على ترجمة الباب، إذ المفهوم منه ليس إلا القيام في حال الإيمان، وفي زمانه مشعر بأنه من جملته. قلت: ليس المراد من لفظه: إيمانا، هو الإيمان الشرعي، وإنما المراد هو الإيمان
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»