عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٠٦
غيره، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان له أخوة تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه). وأخرجه الترمذي أيضا ولفظه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه ما يغلبه فليعنه).
بيان اللغات: قوله: (بالربذة)، بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة، موضع قريب من المدينة، منزل من منازل خارج العراق، بينها وبين المدينة ثلاثة مراحل، قريب من ذات عرق. قوله: (حلة)، بضم الحاء المهملة وتشديد اللام، وهي إزار ورداء، ولا يسمى حلة حتى تكون ثوبين، ويقال: الحلة ثوبان غير لفقين: رداء وإزار، سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل على الآخر. قوله: (ساببت) أي: شاتمت، وهكذا هو في رواية الإسماعيلي. قوله: (فعيرته) بالعين المهملة، أي نسبته إلى العار. وفي (العباب) العار: السبة والعيب، ومنه المثل: النار ولا العار، أي: اختر النار أو ألزمها. وعاره يعيره إذا عابه، وهو من الأجوف اليائي، يقال: عيرته بكذا، وعيرته كذا. قوله: (خولكم) بفتح الواو، وخول الرجل: حشمه، الواحد خايل، وقد يكون الخول واحدا وهو اسم يقع على العبد والأمة. قال الفراء: هو جمع: خايل، وهو الراعي. وقال غيره: هو من التخويل، وهو التمليك وقيل: الخول الخدم، وسموا به لأنهم يتخولون الأمور، أي يصلحونها. وقال القاضي: أي خدمكم وعبيدكم الذين يتخولون أموركم، أي: يصلحون أموركم، ويقومون بها. يقال: خال المال يخوله إذا أحسن القيام عليه، ويقال: هو لفظ مشترك، تقول خال المال والشيء يخول، وخلت أخول خولا إذا أسست الشيء، وتعاهدته وأحسنت القيام عليه، والخايل: الحافظ، ويقال: خايل المال، وخايل مال، وخولي مال، وخوله الله الشيء: أي ملكه إياه. قوله: (ولا تكلفوهم) من التكليف، وهو تحميل الشخص شيئا معه كلفة، وقيل: هو الأمر بما يشق. قوله: (ما يغلبهم) أي: ما يصير قدرتهم فيه مغلوبة، يقال: غلبه غلبا بسكون اللام، وغلبا بتحريكها، وغلبة بإلحاق الهاء، وغلابية مثل علانية، وغلبة مثل خرقة، وغلبي، بضمتين مشددة الباء مقصورة ومغلبة. قوله: (فأعينوهم) من الإعانة وهي المساعدة.
بيان الإعراب: قوله: (لقيت) فعل وفاعل، وأبا ذر مفعوله. قوله: (بالربذة) في محل النصب على الحال، أي: لقيته حال كونه بالربذة. وقوله: (وعليه حلة)، جملة اسمية حال أيضا، وكذا قوله: (وعلى غلامه حلة). قوله: (فسألته) عطف على قوله: (لقيت أبا ذر). قوله: (ساببت) فعل وفاعل و: (رجلا) مفعوله. قوله: (فعيرته)، عطف على (ساببته). فإن قلت: هذا عطف الشيء على نفسه لأن التعيير هو نفس السب، وكيف تصح الفاء بينهما، وشرط المعطوفين مغايرتهما؟ قلت: هما متغايران بحسب المفهوم من اللفظ، ومثل هذه الفاء تسمى بالفاء التفسيرية، كما في قوله تعالى: * (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) * (البقرة: 54) حيث قال في التفسير: إن القتل هو نفس التوبة. قوله: (يا باذر) أصله، يا أبا ذر، بالهمزة فحذفت للعلم بها تخفيفا. قوله: (أعيرته)؟ الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار التوبيخي، وقول من قال للتقرير، بعيد. قوله: (امرؤ) مرفوع لأنه خبر: إن، وهو من نوادر الكلمات، إذ حركة عين الكلمة تابعة للامها في الأحوال الثلاث وفي (العباب): المرء، الرجل، يقال: هذا امرؤ صالح، ورأيت مرأ صالحا، ومررت بمره صالح، وضم الميم في الأحوال الثلاث لغة، وهما مرآن صالحان، ولا يجمع على لفظه، وتقول: هذا مرء، بالضم، و: رأيت مرأ،، بالفتح ومررت بمرء بالكسر معربا من مكانين. وتقول: هذا أمرأ، بفتح الراء، وكذلك: رأيت أمرأ، أو مررت بأمري بفتح الراءآت. وبعضهم يقول هذه: مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمزة وتحريك الراء بحركتها، فإن جئت بألف الوصل كان فيه أيضا ثلاث لغات: فتح الراء على كل حال حكاها الفراء، وضمها على كل حال، وإعرابها على كل حال، وتقول: هذا أمرؤ ورأيت أمرأ، أو بمررت بامرىء، معربا من مكانين، وهذه امرأة، مفتوحة الراء على كل حال، وإعرابها على كل حال، فإن صغرت أسقطت ألف الوصل فقلت: مرىء ومريئة. قوله: (جاهلية) مرفوع بالابتداء (وفيك) مقدما خبره. قوله: (إخوانكم خولكم) يجوز فيه الوجهان. أحدهما: أن يكون (خولكم) مبتدأ و (إخوانكم) مقدما خبره، وتقديمه للاهتمام كما سنبينه عن قريب إن شاء الله تعالى. والآخر: أن يكون اللفظان خبرين حذف من كل واحد منهما المبتدأ، تقديره: هم إخوانكم هم خولكم. قوله: (جعلهم الله) جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على أنها
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»