عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٠٥
مطابقة الحديث للترجمة، وليس كذلك، فإنه مطابق لأن التعيير بالأم أمر عظيم عندهم، لأنهم كانوا يتفاخرون بالأنساب وهذا ارتكاب معصية عظيمة، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يدل على أشد الإنكار. وقال ابن بطال: معناه جهلت وعصيت الله تعالى في ذلك، ولئن سلمنا أن هذا صغيرة، ولكن كونه صغيرة بالنسبة إلى ذنب فوقه، وبالنسبة إلى ما دونه كبيرة، لأن هذا من الأمور النسبية، ولهذا يجوز أن يقال: سائر الذنوب بالنسبة إلى الكفر صغائر، لأنه لا ذنب أعظم من الكفر، وليس فوقه ذنب، وما دونه مختلف في نفسه، فإن نسب إلى ما فوقه فهو صغيرة، وإن نسب إلى ما دونه فهو كبيرة؛ فافهم.
بيان رجاله: وهم خمسة. الأول: أبو أيوب سليمان بن حرب، بالباء الموحدة، الأزدي البصري، وقد تقدم. الثاني: شعبة بن الحجاج، وقد تقدم. الثالث: واصل بن حيان، بفتح الحاء المهملة والياء آخر الحروف المشددة، الأحدب الأسدي الكوفي، وهكذا وقع للأصيلي: عن واصل الأحدب، ولغيره: عن واصل فقط، ووقع للبخاري في العتق: عن واصل الأحدب، مثل ما وقع للأصيلي هنا؛ سمع المعرور وأبا وائل وشقيقا ومجاهدا وغيرهم؛ روى عنه الثوري وشعبة ومسعر وغيرهم؛ قال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث. قيل: مات سنة سبع وعشرين ومائة، روى له الجماعة. وحيان: أن أخذ من الحين ينصرف، وإن أخذ من الحياة لا ينصرف. الرابع: المعرور، بالعين المهملة والراء المهملة، ابن سويد أبو أمية الأسدي الكوفي، ووقع في العتق: سمعت المعرور بن سويد. سمع عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبا ذر، روى عنه واصل الأحدب والأعمش، وقال: رأيته وهو ابن مائة وعشرين سنة، أسود الرأس واللحية. قال يحيى بن معين وأبو حاتم: ثقة، روى له الجماعة. الخامس: أبو ذر، بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء، واسمه جندب، بضم الجيم والدال، وحكي فتح الدال، وعن بعضهم فيه كسر أوله وفتح ثالثه، فكأنه لغة من واحد الجنادب الذي هو طائر، وقيل: اسمه برير، بضم الباء الموحدة وراء مكررة، ابن جندب، والمشهور جندب بن جنادة، بضم الجيم، بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليك بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار، الغفاري السيد الجليل. وغفار، بكسر الغين المعجمة، قبيلة من كنانة، أسلم قديما. روي عنه قال: أنا رابع أربعة في الإسلام، ويقال: كان خامس خمسة، أسلم بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه. قام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم رجع إلى المدينة، فصحب النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن مات، ومناقبه جمة، وزهده مشهور، وتواضعه وزهده مشبهان في الحديث بتواضع عيسى، عليه السلام، وزهده. ومن مذهبه: أنه يحرم على الإنسان ادخار ما زاد على حاجته من المال. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائتا حديث واحد وثمانون حديثا، اتفقا منها على اثني عشر، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بسبعة عشر. روى عنه خلق من الصحابة منهم: ابن عباس وأنس وخلق من التابعين، مات بالربذة سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود، رضي الله عنه، وقضيته فيه مشهورة.
بيان لطائف إسناده: منها: أن فيه التحديث والعنعنة والسؤال. ومنها: أن فيه بصريا وواسطيا وكوفيين. ومنها: أن فيه بيان الراوي مكان لقيه الصحابي وسؤاله عنه عن لبسه الداعي ذلك إلى تحديث الصحابي رضي الله تعالى عنه.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه ههنا عن سليمان بن حرب عن شعبة، وأخرجه في العتق عن آدم عن شعبة عن واصل كلاهما عن المعرور، وأخرجه في الأدب عن عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه. وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان والنذور عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن وكيع، وعن أحمد بن يونس عن زهير، وعن أبي بكر عن أبي معاوية عن إسحاق بن يونس عن عيسى بن يونس، كلهم عن الأعمش، وعن أبي موسى وبندار عن غندر عن شعبة عن واصل كلاهما عن المعرور، وأخرجه أبو داود ولفظه: (رأيت أبا ذر بالربذة وعليه برد غليظ، وعلى غلامه مثله، قال: فقال القوم: يا أبا ذر! لو كنت أخذت الذي على غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة وكسوت غلامك ثوبا غيره. فقال أبو ذر: إني كنت ساببت رجلا، وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية. قال: إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله) وفي أخرى له قال: (دخلنا على أبي ذر بالربذة فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: يا أبا ذر! لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة وكسوته ثوبا
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»