عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
بكسر القاف مع التخفيف، هذا كله إذا كانت زمنية أما إذا كانت بمعنى: حسب، وهو: الاكتفاء، فهي مفتوحة ساكنة الطاء، تقول: رأيته مرة واحدة فقط. قال القاضي: وقد يكون هذا للتقليل أيضا.
بيان الإعراب: قوله: (أريت): على صيغة المجهول بمعنى أبصرت، والضمير الذي فيه هو القائم مقام المفعول الأول. وقوله: (النار) هو المفعول الثاني. قوله: (فرأيت) عطف على: (أريت). وقوله: (أكثر أهلها) كلام إضافي منصوب لأنه مفعول أول لرأيت. وقوله (النساء) بالنصب أيضا لأنه مفعول ثان وفي بعض الروايات: (رأيت النار أكثر أهلها النساء) بدون قوله: (فرأيت)، فعلى هذا: أريت، بمعنى: أعلمت، فالتاء مفعوله الأول نائب عن الفاعل، والنار مفعوله الثاني، والنساء مفعوله الثالث. وقوله: (أكثر أهلها) منصوب لأنه بدل من النار، ويجوز رفع أكثر على أنه مبتدأ، والنساء بالرفع أيضا خبره، والجملة تكون حالا بدون الواو، كما في قوله تعالى: * (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) * (البقرة: 36، والأعراف: 24) وفي صحيح مسلم في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما: (فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين). الحديث فقوله: أكثر، بالنصب إما على المفعول، أو على الحال على مذهب ابن السراج وأبي علي الفارسي وغيرهما ممن قال: إن أفعل لا يتعرف بالإضافة، وقيل: هو بدل من الكاف في: رأيتكن، وقولها: وما لنا أكثر أهل النار؟ قال النووي: نصب أكثر على الحكاية. قوله: (يكفرن) بياء المضارعة، جملة استئنافية، والتقدير: هن يكفرن، وهي في الحقيقة جواب سائل سأل: يا رسول الله لم؟ وجاء بكفرهن بالباء السببية المتعلقة بقول أكثر، أو بفعل الرؤية. قوله: (أيكفرن بالله)؟ الهمزة للاستفهام وهذا الاستفسار دليل على أن لفظ الكفر مجمل بين الكفر بالله والكفر الذي للعشير، ونحوه. قوله: (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يكفرن العشير) أي: هن يكفرن العشير. وقوله: (يكفرن) جملة في محل الرفع على الخبرية (والعشير) نصب على المفعولية. وقوله: (ويكفرن الاحسان) عطف على الجملة الأولى. فإن قلت: كيف عدى: يكفرن، بالياء في قوله: (أيكفرن بالله)؟ ولم يعديها في قوله: (يكفرن العشير)؟ قلت: لان في الأول يتضمن معنى الاعتراف بخلاف الثاني. فإن قلت: ما كفران العشير وما كفران الاحسان؟ قلت: كفران العشير ليس لذاته، بل الكفران له هو الكفران لإحسانه، فالجملة الثانية في الحقيقة بيان للجملة الأولى. فإن قلت: ما الألف واللام في العشير؟ قلت: للعهد إن فسر العشير بالزوج، وللجنس أو الاستغرق إن فسر بالمعاشر مطلقا. فإن قلت: أيها الأصل في اللام؟ قلت: قال الكرماني: الجنس هو الحقيقة، فيحمل عليها إلا إذا دلت قرينة على التخصيص والتعميم فتتبع القرينة حينئذ، وهذا حكم عام لهذه في جميع المواضع، والذي عليه المحققون أن أصل اللام للعهد، وقد عرف في موضعه. قوله: (لو أحسنت) وفي بعض النسخ: (إن أحسنت). فإن قلت: لو لامتناع الشيء لامتناع غيره، فكيف صح هنا هذا المعنى؟ قلت: لو هنا بمعنى: إن، يعني لمجرد الشرطية، ومثله كثير. ويحتمل أن يكون من قبيل قوله عليه السلام: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه) بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين، والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور. قوله: (أحسنت) ليس الخطاب فيه لأحد بعينه، وإنما مراده بهذا كل من يأتي منه أن يكون مخاطبا به. فإن قلت: أصل وضع الضمير أن يكون مستعملا لمعين مشخص. قلت: نعم، لكن هذا على سبيل التجوز: فإن قلت: لو لم يكن عاما لما جاز استعماله في كل مخاطب كزيد مثلا حقيقة؟ قلت: عام باعتبار أمر عام لمعنى خاص، بخلاف العلم، فإنه خاص بالاعتبارين. والتحقيق فيه أن اللفظ قد يوضع وضعا عاما لأمور مخصوصة، كاسم الإشارة فإنه وضع باعتبار المعنى العام الذي هو الإشارة الحسية للخصوصيات التي تحته، أي لكل واحد مما يشار إليه، ولا يراد به عند الاستعمال العموم على سبيل الحقيقة، وقد يوضع وضعا عاما الموضوع له عام، نحو: الرجل، فلا يراد به خاص حقيقة، وهو عكس الأول. وقد يوضع وضعا خاصا لموضوع له خاص، نحو: العلم كزيد ونحوه والمضمرات من القسم الأول فإن أريد بالضمير في: أحسنت، مخاطب معين، كان حقيقة وإلا كان مجازا، ومثله قوله تعالى: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم) * (السجدة: 12) قوله: (الدهر)، نصب على الظرف. قوله: (ثم رأت) جملة معطوفة على ما قبلها، وقد علم أن في: ثم، معنى المهلة والتراخي. قوله: (شيئا) نصب على أنه مفعول: رأت، أي شيئا قليلا لا يوافق مزاجها، أو شيئا حقيرا لا يعجبها، فحينئذ التنوين فيه للتقليل أو التحقير. قوله: (خيرا) مفعول ما رأيت.
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»