المناسبة، والوجه ما ذكرناه، ولكن كان ينبغي أن يذكر هذا الباب، والذي بعده من الأبواب الأربعة، عقيب باب قول النبي، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (الدين النصيحة لله). إلخ بعد الفراغ من ذكر الأبواب التي فيها أمور الإيمان رعاية للمناسبة الكاملة.
الوجه الثاني: في الإعراب والمعنى: فقوله: (باب) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف مضاف إلى ما بعده، والتقدير: هذا باب في بيان كفران العشير وبيان كفر دون كفر. وقوله: (وكفر)، عطف على كفران. وقوله: (دون كفر) كلام إضافي في صفته، ودون، نصب على الظرف، و: الكفران، مصدر كالكفر، والفرق بينهما أن الكفر في الدين، والكفران في النعمة. وفي (العباب): الكفر نقيض الإيمان، وقد كفر بالله كفرا، والكفر أيضا جحود النعمة وهو ضد الشكر، وقد كفرها كفورا وكفرانا، وأصل الكفر التغطية، وقد كفرت الشيء أكفره، بالكسرة، كفرا، بالفتح، أي: سترته، وكل شيء غطى شيئا فقد كفره، ومنه: الكافر، لأنه يستر توحيد الله، أو نعمة الله، ويقال للزارع: الكافر لأنه يغطي البذر تحت التراب، و: رماد مكفور، إذا سفت الريح التراب عليه حتى غطته؛ والعشير: فعيل بمعنى معاشر، كالأكيل بمعنى المؤاكل، من المعاشرة وهي المخالطة، وقيل: الملازمة. قالوا: المراد ههنا الزوج، يطلق على الذكر والأنثى، لأن كل واحد منهما يعاشر صاحبه، وحمله البعض على العموم. والعشير أيضا الخليط والصاحب، وفي (العباب): العشير: المعاشر، قال الله تعالى: * (لبئس المولى ولبئس العشير) * (الحج: 13) والعشير: الزوج. ثم روى الحديث المذكور، والعشير: العشر، كما يقال للنصف: نصيف، وللثلث: ثليث، وللسدس: سديس. والعشير في حساب مساحة الأرض: عشر القفيز، والقفيز: عشر الجريب، والعشيرة: القبيلة، والمعشر: الجماعة. قوله: (وكفر دون كفر) أشار به إلى تفاوت الكفر في معناه، أي: وكفر أقرب من كفر، كما يقال: هذا دون ذلك، أي: أقرب منه. والكفر المطلق هو الكفر بالله، وما دون ذلك يقرب منه، وتحقيق ذلك ما قاله الأزهري: الكفر بالله أنواع: إنكار، وجحود، وعناد، ونفاق. وهذه الأربعة من لقى الله تعالى بواحد منها لم يغفر له. فالأول: أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، كما قال الله تعالى: * (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم) * (البقرة: 6) الآية أي: الذين كفروا بالتوحيد وأنكروا معرفته. والثاني: أن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، وهذا ككفر إبليس وبلعام وأمية بن أبي الصلت. والثالث: أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل الإيمان بالتوحيد ككفر أبي طالب. والرابع: أن يقر بلسانه ويكفر بقلبه ككفر المنافقين. قال الأزهري: ويكون الكفر بمعنى البراءة، كقوله تعالى، حكاية عن الشيطان: * (إني كفرت بما أشركتمون من قبل) * (إبراهيم: 22) أي: تبرأت. قال: وأما الكفر الذي هو دون ما ذكرنا، فالرجل يقر بالوحدانية والنبوة بلسانه، ويعتقد ذلك بقلبه، لكنه يرتكب الكبائر من القتل، والسعي في الأرض بالفساد، ومنازعة الأمر أهله، وشق عصا المسلمين ونحو ذلك انتهى. وقد أطلق الشارع الكفر على ما سوى الأربعة، وهو: كفران الحقوق والنعم، كهذا الحديث ونحوه، وهذا مراده من قوله: (وكفر دون كفر) وفي بعض الأصول: وكفر بعد كفر، وهو بمعنى الأول.
فيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أي: في الباب يروى حديث عن أبي سعيد الخدري، هذه رواية كريمة. وفي رواية غيرها: فيه أبو سعيد، أي: يدخل في الباب حديث رواه أبو سعيد سعد بن مالك الخدري الصحابي المشهور، وأشار بهذا إلى أن الحديث الذي ذكره في هذا الباب له طريق غير الطريق التي ساقها ههنا، وقد أخرج البخاري حديث أبي سعيد في الحيض وغيره من طريق عياض بن عبد الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: (تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير). الحديث. وقال بعضهم: يحتمل أن يريد بذلك حديث أبي سعيد: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس). قلت: هذا بعيد، ومراده ما ذكرناه، ويؤيده ما في حديث ابن عباس من قوله: (وتكفرن العشير). كذا في حديث أبي سعيد، وترجمة الباب بهذه اللفظة، ولا يناسب الترجمة إلا حديثاهما، فافهم.
29 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل