كقوله في الماضي: والله ما دخلت الدار، وهو يظن أنه لم يدخلها، والأمر خلاف ذلك، وفي الحال عمن يقبل: والله إنه لزيد، وهو يظن أنه زيد فإذا هو عمرو. الحادي عشر: قال القاضي عياض: هذا الحديث أصح دليل على الفرق بين الإسلام والإيمان، وان الإيمان باطن ومن عمل القلب، والإسلام ظاهر ومن عمل الجوارح، لكن لا يكون مؤمن إلا مسلما، وقد يكون مسلم غير مؤمن، ولفظ هذا الحديث يدل عليه. وقال الخطابي: هذا الحديث ظاهره يوجب الفرق بين الإسلام والإيمان، فيقال له: مسلم، أي: مستسلم، ولا يقال له: مؤمن، وهو معنى الحديث. قال الله تعالى: * (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * (الحجرات: 14) أي: استسلمنا. وقد يتفقان في استواء الظاهر والباطن، فيقال للمسلم: مؤمن، وللمؤمن: مسلم. وقد حققنا الكلام فيه فيما مضى في أول كتاب الإيمان.
ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري.
أي: روى هذا الحديث هؤلاء الأربعة عن الزهري، وتابعوا شعيبا في روايته عن الزهري، فيزداد قوة بكثرة طرقه.
وفي هذا وشبهه من قول الترمذي: وفي الباب عن فلان وفلان إلى آخره. فوائد إحداها هذه. الثانية: أن تعلم رواته ليتتبع رواياتهم ومسانيدهم من يرغب في شيء من جمع الطرق أو غيره، لمعرفة متابعة أو استشهاد أو غيرهما. الثالثة: ليعرف أن هؤلاء المذكورين رووه، فقد يتوهم من لا خبرة له أنه لم يروه غير ذلك المذكورة في الإسناد، فربما رآه في كتاب آخر عن غيره، فيتوهمه غلطا. وزعم أن الحديث إنما هو من جهة فلان، فإذا قيل في الباب: عن فلان وفلان ونحو ذلك، زال الوهم المذكور. الرابعة: الوفاء بشرطه صريحا، إذ شرطه على ما قيل أن يكون لكل حديث راويان فأكثر. الخامسة: أن يصير الحديث مستفيضا، فيكون حجة عند المجتهدين الذين اشترطوا كون الحديث مشهورا في تخصيص القرآن ونحوه، والمستفيض أي: المشهور ما زاد نقلته على الثلاث.
قوله (يونس): هو ابن يزيد الأيلي، وقد مر ذكره. (وصالح) هو ابن كيسان المدني، وروايته عن الزهري من رواية الأكابر عن الأصاغر، لأنه أسن من الزهري وقد مر ذكره أيضا. و (معمر) بفتح الميمين، ابن راشد البصري، وقد تقدم ذكره أيضا. (وابن أخي الزهري) هو محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري ابن أخي محمد الإمام أبي بكر الزهري المشهور، روى عن عمه محمد، وروى عنه يعقوب بن إبراهيم سعد والدراوردي والقعنبي، روى عنه: البخاري في الصلاة والأضاحي، ومسلم في الإيمان والصلاة والزكاة، وقال الحاكم أبو عبد الله بن البيع في كتاب (المدخل): ومما عيب على البخاري ومسلم إخراجهما حديث محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، أخرج له البخاري في الأصول، ومسلم في الشواهد، وقال ابن أبي حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه. وقال فيه ابن معن: ضعيف. وقال ابن عدي: ولم أر بحديثه بأسا، ولا رأيت له حديثا منكرا. وقال عباس عن يحيى بن معين: ابن أخي الزهري أمثل من أبي أويس، وقال مرة فيه: ليس بذلك القوي. قال الواقدي: قتله غلمانه بأمر ابنه، وكان ابنه سفيها شاطرا، قتله للميراث في آخر خلافة أبي جعفر المنصور، توفي أبو جعفر سنة ثمان وخمسين ومائة، ثم وثب غلمانه على ابنه بعد سنين فقتلوه، وجزم النووي في شرحه بأن محمدا هذا، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. أما رواية يونس عن الزهري فهي موصولة في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الزهري الملقب رسته، بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها تاء مثناة من فوق وبعدها هاء، ولفظه قريب من سياق الكشميهني. وأما رواية صالح عن الزهري فهي موصولة عند البخاري في كتاب الزكاة. وأما رواية معمر عنه فهي موصولة عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه، وقال فيه إنه إنما أعاد السؤال ثلاثا. وعند أبي داود أيضا، من طريق معمر عنه، ولفظه: (إني أعطي رجلا وأدع من أحب إلي منهم لا أعطيه شيئا مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم). وأما رواية ابن أبي الزهري، عن الزهري، فهي موصولة عند مسلم، وفيه السؤال والجواب ثلاث مرات، وقال في آخره: خشية أن يكب على البناء للمفعول، وفي روايته لطيفة وهي رواية أربعة من بني زهرة: هو، وعمه، وعامر، وأبوه. على الولاء، والله تعالى أعلم.