ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام الا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) هكذا وقع في الأصول تختصوا ليلة الجمعة ولا تخصوا يوم الجمعة باثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني وهما صحيحان وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم أنه يكره افراد يوم الجمعة بالصوم الا أن يوافق عادة له فان وصله بيوم قبله أو بعده أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا فوافق يوم الجمعة لم يكره لهذه الأحاديث وأما قول مالك في الموطأ لم أسمع أحد امن أهل العلم والفقه ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه فهذا الذي قال هو الذي رآه وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره وقد ثبت النهى عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به ومالك معذور فإنه لم يبلغه قال الداودي من أصحاب مالك لم يبلغ مالكا هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه قال العلماء والحكمة في النهى عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة من الغسل والتكبير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة واكثار الذكر بعدها لقول الله تعالى قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا وغير ذلك من العبادات في يومها فاستحب الفطر فيه فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة فان السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة فان قيل لو كان كذلك لم يزل النهى والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى فالجواب أن يحصل له لفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه فهذا هو المعتمد في الحكمة في النهى عن افراد صوم الجمعة وقيل سببه خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه وقيل سبب النهى لئلا يعتقد وجوبه وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا
(١٩)