في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه أتسخر بي لان الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به فوضع الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى أتسخر بي هنا ففيه أقوال أحدها قاله المازري أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه لأنه عاهد الله مرارا أن لا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية فقدر الرجل أن قول الله تعالى له ادخل الجنة وتردده إليها وتخييل كونها مملؤة ضرب من الأطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالأطماع والقول الثاني قاله أبو بكر الصوفي ان معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى كأنه قال أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي قال وهذا كلام منبسط متدلل والقول الثالث قاله القاضي عياض أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق وهذا كنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال أنت عبدي وأنا ربك والله أعلم واعلم أنه وقع في الروايات أتسخر بي وهو صحيح يقال سخرت منه وسخرت به والأول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضا وقد قال بعض العلماء أنه إنما جاء بالباء لإرادة معناه كأنه قال أتهزأ بي والله أعلم قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) هو بالجيم والذال المعجمة قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم المراد بالنواجذ هنا الأنياب وقيل المراد هنا الضواحك وقيل الراد بها الأضراس وهذا هو الأشهر في اطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل
(٤٠)