حياة شيوخ، حتى إن أحمد بن حنبل جلس معه مرة، فجاء أحد إخوانه يعتب عليه أن ترك مجلس ابن عيينة - شيخ الشافعي، ويجلس إلى هذا الاعرابي! فقال له أحمد: " اسكت، إنك إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول، وإن فاتك عقل هذا أخاف أن لا تجده، ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى ".
وحتى يقول داود بن علي لا ظاهري الامام في كتاب مناقب الشافعي: " قال لي إسحق بن راهويه: ذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة فسألته عن أشياء، فوجدته فصيحا حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي فيه فهما، فلو كنت عرفته للزمته، قال داود: ورأيته يتأسف على ما فاته منه ".
وحتى يقول أحمد بن حنبل: " لولا الشافعي ما عرفناه فقه الحديث ".
ثم يدخل العراق، دار الخلافة وعاصمة الدولة (1)، فيأخذ عن أهل الرأي علمهم ورأيهم، وينظر فيه، ويجادلهم ويحاجهم، يزداد بذلك بصرا بالفقه، ونصرا للسنة، حتى يقول أبو الوليد المكي الفقيه موسى بن أبي الجارود: " كنا نتحدث نحن وأصحابنا من أهل مكة أن الشافعي أخذ كتب ابن جريح (2) عن أربعة أنفس: عن مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وهذان فقيهان، وعن عبد المجيد بن العزيز بن أبي رواد، وكان أعلمهم بابن جريج، وعن عبد الله بن الحرث المخزومي، وكان من الاثبات، وانتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن جملا ليس فيها شئ إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك، حتى أصل الأصول، وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره.
وعلا ذكره، وارتفع قدره، حتى صار منه ما صار ".