العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الإخبار.
وإن شئت توضيح ذلك لقلنا: إن الأول ما كان محل الكثرة التي عليها مدار التواتر المفيد للعلم بصدق الخبر قضية ملفوظة مصرحا بها في الكلام ومرجعه إلى فرض تحقق التواتر بالنسبة إلى المدلول المطابق للخبر وهو النسبة الموجودة فيه على الوجه الذي اعتبره المخبرون، كقولنا: مكة موجودة وغيره من الأمثلة المتقدمة للتواتر.
والثاني: ما كان محل الكثرة المذكورة قضية معقولة متولدة من القضية الملفوظة باعتبار ما يفرض لها من دلالة تضمن أو التزام حاصلة في كل واحد من الآحاد على وجه أوجب كون تلك القضية المعقولة مشتركة بينها، متفقا عليها، متسالما فيها عند المخبرين الكثيرين بحيث صارت كأنها أخبر بها الجميع متفقين على الإخبار.
أما التواتر المعنوي باعتبار الدلالة التضمنية فمثل ما لو أخبر واحد بأن زيدا ضرب عمرا وآخر بأنه ضرب بكرا، وثالث بأنه ضرب خالدا وهكذا إلى أن يبلغوا حد الكثرة المعتبرة في التواتر مع اختلاف الجميع في خصوص المضروب، فإن هذه القضايا الملفوظة باعتبار دلالتها التضمنية تنحل إلى قولنا: صدر الضرب من زيد ووقع على أحد هؤلاء والجزء الأول منه قضية مشتركة بين الجميع باعتبار كون صدور الضرب من زيد محل وفاق بين جميع المخبرين فهو المتواتر بخلاف جزئه الثاني فإنه مختلف فيه بينهم فهو من كل منهم خبر واحد.
وربما مثل بعضهم للمتواتر باعتبار الدلالة التضمنية بجود حاتم فيما لو أخبر كل من عدد التواتر باعطائه لفلان كذا، من حيث تضمن كل واحدة من الحكايات جود حاتم من حيث إن الجود المطلق جزء الجود الخاص، وفيه مسامحة لأن الجود صفة النفس وليس من جملة الأفعال حتى تتضمنه، بل هو مبدؤها وعلتها، فالحق أن ذلك من باب الاستلزام. ومثال التضمن ما ذكرناه. وقد مثلوا للتواتر المعنوي باعتبار الدلالة الالتزامية بشجاعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه حيث روي عنه أنه عليه السلام فعل في غزوة بدر كذا وفي أحد كذا وفي خيبر كذا وهكذا، فإن كل واحدة من الحكايات تستلزم شجاعته عليه السلام، فالحكايات المتكثرة يتولد منها قضية هي قولنا: علي عليه السلام شجاع، فهي قضية معنوية أخبر بها المخبرون على كثرتهم أي اتفقوا على الإخبار بها