معلوم ضرورة أو نظرا، أو كان إخبارهم محفوفا بقرائن زائدة على ما لا ينفك الخبر عنه عادة من الأمور الخارجية المتعلقة بحال المخبر ككونه موسوما بالصدق وعدمه، أو حال السامع ككونه خالي الذهن وعدمه، أو بالمخبر عنه ككونه قريب الوقوع وعدمه، أو نفس الخبر كالهيئات المقارنة له الدالة على الوقوع وعدمه، فإن شيئا من ذلك ليس من المتواتر، نعم، لا يعتبر كون الكثرة علة تامة في حصول العلم، ولا نمنع من مدخلية الأمور المذكورة أيضا مع الكثرة كما يكشف عن ذلك ما علل به المحققون عدم اعتبار عدد خاص في التواتر، من اختلاف ذلك باختلاف المقامات، فإنه ليس لاختلافها في انضمام شئ من الأمور المذكورة إلى الكثرة وعدمه. ومما ذكرنا ظهرت متانة ما نبه عليه بعض المحققين (قدس سره) من أنه قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بسبب التسامع والتظافر وعدم وجود المخالف بالمتواتر فمثل علمنا بالهند والصين وحاتم ورستم ليس من جهة التواتر لأنا لم نسمع إلا من أهل عصرنا وهم لم يرووا لنا عن سلفهم ذلك أصلا فضلا عن عدد يحصل به التواتر وهكذا.
وليس غرضه (قدس سره) عدم إمكان التواتر فيه ولا استلزام ما ذكره عدم حصوله في نفس الأمر وإنما غرضه أن علمنا لم يحصل من جهة التواتر، بل من جهة إطباق أهل العصر قاطبة على ذلك إما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني على عدم بطلان هذا النقل، فالمفيد للقطع بصحة ما ذكر إنما هو كثرة تداول ذلك على الألسنة وعدم وجود مخالف في ذلك العصر ولا نقل إنكار عمن سلف فهو نظير الإجماع على الحكم الشرعي المفيد للقطع برأي المعصوم، فوجود البلاد النائية والأمم الخالية لنا من هذا الباب لا من باب التواتر كما لا يخفى على المتدبر.
المقام الثاني: أنه اتفق أكثر العقلاء على إمكان تحقق الخبر المتواتر وحصول العلم به، وحكي إنكار ذلك عن السمنية (1) والبراهمة (2) وعن بعضهم الموافقة على إفادته العلم إذا كان خبرا عن أمور موجودة في زماننا، دون ما كان خبرا عن أمور سالفة.
والحق الأول، ضرورة أن كل عاقل يجد من نفسه العلم الضروري بالبلاد النائية والأمم الخالية كقوم فرعون وعاد وثمود، والأنبياء عليهم السلام كموسى وعيسى