المعجم الموضوعي لنهج البلاغة - أويس كريم محمد - الصفحة ١٢١
يأتيه أجله (ح 356).
(139) وصف الموت وسكراته، والحالة النفسية للمحتضر:
فغير موصوف ما نزل بهم، اجتمعت عليهم سكرة الموت، وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيرت لها ألوانهم، ثم أزداد الموت فيهم ولوجا، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبه، يفكر فيم أفنى عمره، وفيم أذهب دهره، ويتذكر أموالا جمعها، أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبعات جمعها، وأشرف على فراقها، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها، ويتمتعون بها، فيكون المهنأ لغيره، والعبء على ظهره، والمرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه، فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه، فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، ولا يسمع بسمعه: يردد طرفه بالنظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم، ولا يسمع رجع كلامهم، ثم ازداد الموت إلتياطا به، فقبض بصره كما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده (خ 109).
فبينما هو يضحك إلى الدنيا وتضحك إليه في ظل عيش غفول، إذ وطئ الدهر به حسكه، ونقضت الأيام قواه، ونظرت إليه الحتوف، من كثب، فخالطه بث لا يعرفه، ونجي هم ما كان يجده، وتولدت فيه فترات علل، آنس ما كان بصحته، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء من تسكين الحار بالقار، وتحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة، ولا حرك بحار إلا هيج برودة، ولا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء، حتى فتر معلله، وذهل ممرضه، وتعايا أهله بصفة دائه، وخرسوا عن جواب السائلين عنه، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه: فقائل يقول: هو لما به، وممن لهم إياب عافيته، ومصبر لهم على فقده، يذكرهم أسى الماضين من قبله، فبينما هو كذلك على جناح من فراق الدنيا، وترك الأحبة، إذ عرض له عارض من غصصه، فتحيرت نوافذ فطنته، ويبست رطوبة لسانه، فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده، ودعاء مؤلم بقلبه سمعه
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»