تكرهه، ولكنك كنت رجلا ذا نساء، وكانا صبيين لا يكفيان من أنفسهما شيئا، فخشيت أن ترى نساؤك منهما ما يتقذرن به من قبيح أمر الصبيان، فكنت ألطف لذلك، وأحق لولايته، أما الآن، فقد قويا على أنفسهما وشبا، وعرفا ما يأتيان، فها هما هذان، فضمهما إليك، وكن لهما كحجية بن المضرب أخي كندة، ثم ذكرت له: أن الحجية كان له أخ مات، وترك صغارا، فكان عمهم يؤثرهم على بنيه، ثم عرض له سفر، فأوصى بهم امرأته، فغاب أشهرا، ثم رجع، فرأى الصبيان قد ساءت حالهم، فقال لامرأته: ويلك! مالي أرى بني أخي مهازيل، وبني سمانا!؟ قالت: قد كنت أواسي بينهم ولكنهم كانوا يعبثون ويلعبون، ثم خلا بالصبيان وسألهم فقالوا: كانت سيئة معنا، ما كانت تعطينا من القوت إلا قدحا صغيرا من اللبن، فغضب وقال لراعيي إبله لما أراحا عليه: إذهبا فأنتما وابلكما لبني أخي (208).
إن أم المؤمنين بكت أخاها القتيل محمد، ولم تنسه مدى حياتها، ورعت حقه إذ انتزعت صغيرته من بيت عمهما خشية تقذر نسائه منهما. وربتهما في كنفها كالأم الحنون، حتى إذا اشتدت سواعدهما، وآن أن يرجى منهما الخير دفعتهما إلى عمهما بعد أن أوصته أن يكون لهما كحجية بن المضرب حين آثر بني أخيه على بنيه، وبذلك رعت حق الحي بعد الميت، وحفظت حقوق الصغار من الضياع.
ومن آثار شفقتها على ذوي قرباها إعطاؤها عشرة آلاف لمن بشرها بحياة ابن الزبير إذا التقى مع الأشتر في حرب الجمل (209).
هذه إلى كثير من نظائرها في حياة أم المؤمنين تكشف عن مدى حدبها على أقربائها ورعايتها لهم.