فلو كان يجب إنفاق بعد إخراج الزكاة فما معنى التحديد بالنصب والإخراج منها؟ وهذا معنى واضح لا يخفى على كل مسلم فضلا عن مثل أبي ذر الذي هو وعاء العلم والمحيط بالسنة الشريفة.
ولو كانت على المكلف بقية من الواجب بعد الزكاة لم يؤدها فما معنى الفلاح؟
الذي وصف الله تعالى به المؤمنين بقوله: قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، سورة المؤمنون 41 وليت شعري إن كان من المفترض إنفاق كل ما للانسان من المال بعد المؤن فبماذا يحترف أو يمتهن؟ وليس عنده فاضل على المؤن. أبما ادخره لقوته؟ أم بما رجع عنه بخفي حنين؟ ومماذا يخرج الزكاة؟ فيسد بها خلة الضعفاء ويقتات هو في مستقبله الذي هو أوان فاقته. أمن المحتمل إن أبا ذر كان يوجب ترك كل هذه؟ ويريد أن تكون الدنيا مشحونة بالعفاة المتكففين؟ فلا يرى المتسول إلا شحاذا مثله، ولا يجد العافي منتجعا لكشف كربته وتسديد إعوازه إن دامت الحالة على ما يتقول به على أبي ذر سنة أو دون سنة.
تالله لا يبغي أبو ذر بالمجتمع الديني هذه الضعة وهو لا يحب لهم إلا الخير كله، ولا يريد هذا أي مصلح أو صالح في نفسه فضلا عن أبي ذر المعدود في علماء الصحابة ومصلحيهم وصلحائهم.
نعم: غضب أبو ذر لله كما قاله مولانا أمير المؤمنين (1) وغضب للمسلمين حيث رأى فيئهم مدخرا عنهم تتمتع به سماسرة النهمة والجشع.
يرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات فكان كل ما انتابه من جراء هذا الأخذ والرد بعين الله وفي سبيله كما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي قال: في الله؟ قال: في الله.
قال: مرحبا بأمر الله. راجع ص 316 من هذا الجزء.
ثم إن ما شجر من الخلاف بين أبي ذر ومعاوية في قوله تعالى: الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فخصه معاوية بأهل