الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٣٣٨
حكيم ومعه مائة بدنة قد أهداها وجللها الحبرة، وقف مائة وصيف يوم عرفة في أعناقهم أطوقة الفضة قد نقش في رؤسها: عتقاء الله عز وجل عن حكيم وأعتقهم، وأهدى ألف شاة (1).
إلى أناس آخرين لدة هؤلاء من أهل اليسار. فلم تسمع أذن الدنيا إن أبا ذر وجه إلى أحد من هؤلاء الأثرياء لوما لأنه كان يعلم بأنهم اقتنوها من طرقها المشروعة وأدوا ما عليهم منها وزادوا، وراعوا حقوق المروءة حق رعايتها، وما كان يبغي بالناس إلا هذه.
لماذا يرى أبو ذر بناء معاوية الخضراء في دمشق فيقول: يا معاوية! إن كانت هذه الدار من مال الله؟ فهي الخيانة، وإن كانت من مالك؟ فهذا الإسراف. فسكت معاوية ويقول أبو ذر: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفأ، وباطلا يحيى، وصادقا يكذب، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثر عليه (2).
ويرى بناء المقداد داره بالمدينة بالجرف وقد جعلها مجصصة الظاهر والباطن كما في مروج الذهب 1: 434 فلا ينكره عليه ولا ينهاه عنه ولا ينبس ببنت شفة، وليس ذلك إلا لما كان يراه من الفرق الواضح بين المالين والبنائين وصاحبيهما.
وأما وجوب إنفاق المال الزائد على القوت كله الذي عزاه إلى سيدنا أبي ذر المختلقون فمن أفائكم المفتريات، لم يدعه أبو ذر ولا دعا إليه وكيف يكون ذلك؟ وأبو ذر يعي من شريعة الحق وجوب الزكاة؟ وهل يمكن ذلك إلا بعد اليسار والوفر الزائد على المؤن؟ والله سبحانه يقول: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم، وفي تنكير الصدقة و (من) التبعيض دلالة على أن المأخوذ بعض المال لأكله.
على إن النصب الزكوية المضروبة في النقدين والأنعام والغلات كلها نصوص على إن الباقي من المال مباح لأربابه، ولأبي ذر نفسه في آداب الزكاة أحاديث أخرجها البخاري ومسلم وغيرها من رجال الصحاح وأحمد والبيهقي وغيرهم.

(1) صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 304 (2) راجع ما مر ص 304.
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»