ومما يهم لفت النظر إليه إن الطبري من صفحة 210 من الجزء الثالث إلى ص 241 يروي عن السري بقوله: حدثني. المعرب عن السماع منه، ومن ص 241 يقول: كتب إلى السري. إلى آخر ما يروي عنه إلا حديثا واحدا في الجزء الرابع ص 82 يقول فيه:
حدثنا.
ولست أدري إن السري، وسيف بن عمر هل كان علمهما بالتاريخ مقصورا على حوادث تلكم الأعوام المحدودة فقط؟ ومن حوادثها على ما يرجع إلى المذهب فحسب لا مطلقا؟ أو كانت موضوعاتهما تنحصر بالحوادث الخاصة المذهبية الواقعة في الأيام الخالية من السنين المعلومة؟ لكونها الحجر الأساسي في المبادئ والآراء والمعتقدات، وقد أرادوا خلط التاريخ الصحيح وتعكير صفوه بتلكم المفتعلات تزلفا إلى أناس، واختذالا عن آخرين، ومن أمعن النظر في هذه الروايات يجدها نسيج يد واحدة، ووليد نفس واحد، ولا أحسب إن هذه كلها تخفى على مثل الطبري، غير إن الحب يعمي ويصم.
وقد سودت هاتيك المخاريق المختلفة صحائف تاريخ ابن عساكر، وكامل ابن الأثير، وبداية ابن كثير، وتاريخ ابن خلدون، وتاريخ أبي الفدا إلى كتب أناس آخرين اقتفوا أثر الطبري على العمى، وحسبوا أن ما لفقه هو في التاريخ أصل متبع لا غمز فيه، مع إن علماء الرجال لم يختلفوا في تزييف أي حديث يوجد فيه أحد من رجال هذا السند فكيف إذا اجتمعوا في إسناد رواية.
والتآليف المتأخرة اليوم المشحونة بالتافهات التي هي من ولائد الأهواء و الشهوات كلها متخذة من هذه السفاسف التي عرفت حالها وسنوقفك على نماذج منها في الجزء التاسع إنشاء الله تعالى.
ابن الأثير الجزري وأنت ترى ابن الأثير في الكامل الناقص تبعا للطبري في الذكر والاهمال كما هو كذلك في كل ما توافقا عليه من التاريخ لكنه زاد ضغثا على أبالة فقال: وفي هذه السنة كان ما ذكر في أمر أبي ذر وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة، وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة من سب معاوية إياه وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة