نظرية أبي ذر في الأموال وافى سيدنا أبو ذر كغيره من قرناءه المقتصين أثر الكتاب والسنة يبغي صالح قومه ونجاح أمته، يبغي بهم أن لا يتخلفوا عنهما قيد ذرة، يريد أن ينفي عن الناس البخل الذميم، وأن تكون لضعفاء الأمة لماظة من منائح الأغنياء، وأن لا يمنعوا حقوقهم التي افترضها الله لهم، وكان نكيره الشديد متوجها إلى مغتصبي أموال الفقراء، والى أهل الأثرة الذين كانت القناطير المقنطرة من الذهب والفضة منضدة في دورهم، و كانت سبائك التبر تقسم بكسرها بالفؤوس، من دون أن تخرج منها الحقوق المفروضة من أخماس وزكوات، ومن غير إغاثة للملهوفين الذين كان قوتهم السغب، وريهم الظمأ وراحتهم النكد، وعند القوم أموال لهم متكدسة لا تنتفع بها العفاة، ولا يستفيد من نماءها المجتمع، ولا يصرف شئ منها في الصالح العام، وقد شاء الله سبحانه للذهب والفضة أن تتداول بهما الأيدي، ويتقلبا في وجوه الحرف والمهن والصنايع، فتنتجع العامة بهما فأربابهما بالأرباح، والضعفاء بالأجور، والبلاد بالعمران، والأراضي بالإحياء والمعالم والمعارف بالدعاية والنشر، والملأ العلمي بالجوامع والكليات والكتب و الصحف، والمضطرون بحقوقهما الإلهية واستحكامات تقتضيها الظروف، حتى تكون الأمة سعيدة بما يتسنى لها من تلكم الجهات من السعي وراء مناجحها، ولذلك حرم المولى سبحانه اتخاذ الأواني من الذهب والفضة لئلا يبقيا جامدين يعدوهما أعظم الفوائد وأكثرها المرقومة فيهما المترقبة منهما من الوجوه التي ذكرناها.
كان نكير سيدنا أبي ذر موجها إلى أمثال من ذكرناهم كمعاوية الذي كان يرفع أبو ذر عقيرته على بابه كل يوم ويتلو قوله تعالى: الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. وكان يرى الأموال تجبى إليه فيقول:
جاءت القطار تحمل النار.
وكمروان الذي كان إحدى منايح عثمان له خمس إفريقية وهو خمسمائة ألف دينار.