الكتاب وعممه أبو ذر عليهم وعلى المسلمين كما أخرجه البخاري ومر بلفظه ص 295 وهذه الرواية هي المستند الوحيد لجملة من الأفاكين على أبي ذر ظاهر في أنه لا خلاف بينهما في المقدار المنفق من المال وإنما هو في توجيه الخطاب، فارتأى معاوية إن المخاطب به أهل الكتاب، وعلم أبو ذر من مستقي الوحي ولحن الآية الكريمة إنها تعم كل مكلف. إذن فيجب إما أن يعزى هذا الشذوذ إليهما جميعا، أو تبرئان عنه جميعا، فإفراد أبي ذر بالقذف من ولائد الضغائن والإحن.
وأياما كان فالمراد إنفاق البعض لا الكل، وإن كان النظر القاصر قد يجنح إلى الأخير لأول وهلة. وليست هذه الآية بدعا من آيات أخرى تماثلها في السياق كقوله تعالى:
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل. الآية " البقرة 261 ".
وقوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم. " البقرة 274 ".
وقوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم. " البقرة 262 ".
وقوله تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله. الآية " البقرة 265 " على أن هذه الآيات أصرح من هاتيك في العموم لمكان الجمع المضاف فيها، لكن المعلوم بالضرورة من دين الاسلام إنه نزلها إلى البعض، ولعل النكتة في الاتيان بالجمع المضاف فيها: إن الموصوفين بها بلغوا من نزاهة النفس وكرم الطباع وعلو الهمة حدا لا يبالون معه لو توقفت الحالة على إنفاق كل أموالهم. أو إنهم حين يسمحون بإنفاق البعض في سبيل الله تعالى يجعله سبحانه في مكان إنفاق الكل بفضل منه ويثيبهم على ذلك. وبهذا يعلم السر في قوله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيلهم " الأنفال 36 ". وقوله تعالى: والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس. الآية " النساء 38 ".
فليست هذه الآيات في منتأى عن قوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. " آل عمران 92 ".