الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٣٣
فلا شك في إنه أمر استحق من جرائه عثمان الحرمان من النزول في قبر زوجته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى الناس بها، والمسلمون كلهم كانوا يعلمون ذلك، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى الستر على المؤمنين والاغضاء عن العيوب، الناهي عن إشاعة الفحشاء في كتابه الكريم، والمانع عن التجسس عما يقع في الخلوات، المبعوث لإعزاز أهل الدين، شاء وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أن يستثني موردا واحدا تلوح بأمر عظيم حرم لأجله عثمان من الحظوة بالنزول في قبر حليلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وواسطة مفخره بهاتيك الصلة، فعرف المسلمون ذلك المقتضي بالطبع الأول وهذا المانع من المقارفة المختلف في تفسيرها، فإن كان ذنبا أثر في رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حط من رتبته بما قلناه؟ ولو كانت صغيرة وهي غير ظاهرة تسترها، لكنها بلغت من الكبر حدا لم ير صلى الله عليه وآله سترها، ولا رعى حرمة ولا كرامة لمقترفها، فإن كانت سيئة هذا شأنها؟ فلا خير فيمن يجترح السيئات.
وإن أريدت مقارفة النساء على الوجه المحلل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاطة ولغلظة فأي إنسان تحبذ له نفسه التمتع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرم مجده، وانقطاع فخره، وانفصام عرى شرفه، فكيف هان ذلك على الخليفة؟ فلم يراع حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله واستهانت تلك المصيبة العظيمة فتلذذ بالرفث إلى جارية (1) والمطلوب من الخلفاء معرفة فوق هذه من أول يومهم، ورأفة أربى مما وقع، ورقة تنيف على ما صدر منه، وحياء يفضل على ما ناء به.
ومن العسير جدا الخضوع للاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ارتكب ذلك الهتك والإهانة على أمر مباح مع رأفته الموصوفة على أفراد الأمة وإغراقه نزعا في الستر عليهم، وكيف في حق رجل يعلم صلى الله عليه وآله إنه سيشغل منصة الخلافة.
هذا ما عندنا وأما أنت فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر.
أيحكم ضميرك الحر عندئذ في رجل هذا شأنه وهذه سيرته مع كريمة رسول الله صلى الله عليه وآله بصحة ما أخرجه ابن سعد في طبقاته 3: 38 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قارف الرجل، يوم سمع من النبي الأعظم تلك القارصة: لو كان عندي ثالثة

(1) كما في عمدة قاري 4: 85.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»