الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ٢٢٩
ثم ماذا يعني الخليفة بقوله: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا على من علمه؟ هل يريد جهلها بالحد أو بحرمة الزنا؟ أما العلم بثبوت الحد فليس له أي صلة بإجراء حكم الله فإنه يتبع تحقق الزنا في الخارج علم الزاني أو الزانية بترتب الحد عليهما أم لم يعلما.
على إنه ليس من الممكن في عاصمة النبوة أن يجهل ذلك أي أحد وهو يشاهد في الفينة بعد الفينة مجلودا تنال منه السياط، ومرجوما تتقاذفه الأحجار.
وأما حرمة الزنا فلا يقبل من المتعذر بالجهل بها إلا حيث يمكن صدقه كمن عاش في أقاصي البراري والفلوات والبقاع النائية عن المراكز الإسلامية، فيمكن أن يكون الحكم لم يبلغه بعد، وأما المدني يومئذ الكائن بين لوائح النبوة ومجاري الأحكام والحدود وتحت سيطرة الخلفاء، وهو يعي كل حين التشديد في الزنا وحرمته، ويشاهد العقوبات الجارية على الزناة من جراء حرمة السفاح، فعقيرة ترتفع من ألم السياط، وجنازة تشال بعد الرجم، فليس من الممكن في حقه عادة أن يجهل حرمة الزنا فلا تقبل منه دعواه الجهل، ولعل هذا مما اتفقت عليه أئمة المذاهب، قال مالك في المدونة الكبرى 4: 382 في الرجل يطأ مكاتبته يغتصبها أو تطاوعه: لا حد عليه وينكل إذا كان ممن لا يعذر بالجهالة.
وقال فيمن يطلق امرأته تطليقة قبل البناء بها فيطؤها بعد التطليقة ويقول: ظننت أن الواحدة لا تبينها مني وإنه لا يبرأها مني إلا الثلاث: قال ابن القاسم: ليس عليه الحد إن عذر بالجهالة، فأرى في مسألتك إن كان ممن يعذر بالجهالة أن يدرأ عنه الحد لأن مالكا قال في الرجل يتزوج الخامسة: إن كان ممن يعذر بالجهالة وممن يظن إنه لم يعرف أن ما بعد الأربع ليس مما حرم الله، أو يتزوج أخته من الرضاع على هذا الوجه، فإن مالكا درأ عنه الحد وعن هؤلاء.
وفي ص 401: من وطئ جارية هي عنده رهن إنه يقام عليه الحد، قال ابن - القاسم: ولا يعذر في هذا أحد ادعى الجهالة. قال مالك: حديث التي قالت زينب بمرعوش بدرهمين (1) إنه لا يؤخذ به. وقال مالك: أرى أن يقام الحد ولا يعذر العجم بالجهالة.

(1) يعني الحديث المذكور في عنوان المسألة الذي نبحث عما فيه.
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»