ذلك اليوم: " يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم. وأنتم أهل العزة والثروة... ". فاطرد خطبته على هذا الأسلوب زاعما أن سيرفع من منعتهم وبأسهم ويسد خللهم، ونهاهم عن الاختلاف وحذرهم عواقبه حتى قال: " فإن أبى هؤلاء فمنكم أمير ومنهم أمير ". ولكنه - كما ترى - بينا هو محلق في السماء رفعة وتعاظما ويملي إرادته قوة إذا به يهبط إلى الحضيض ضعفا، إذ يقول: " فإن أبى هؤلاء.. " ونقول له: فإن أبى هؤلاء الشركة أيضا فما أنتم صانعون؟ لا شك أن ذلك الضعف الذي يملي عليه التنازل هو ذلك الضعف عينه موجود أيضا سيملي عليه التنازل عن جميع الأمر، كما وقع.
وهذا من تنازل الخائر المغلوب على أمره وتدبيره. وكانت عليه بذلك الحجة الظاهرة، فقال له عمر بن الخطاب:
" هيهات لا يجتمع اثنان في قرن " أو ما ينسق على هذا المعنى، على أن الحباب هذا من أقوى من وجدنا يومئذ وأشجعهم قلبا وأجرأهم لسانا، وأغلظهم على المهاجرين، لولا سعد بن عبادة.
إلى هنا لعلنا لمسنا شيئا من نفسية الأنصار وأدركنا مقدار الضعف في نفوسهم، والوهن في عزائمهم، والاضطراب في