وطبقة منهم صاحبوا شهر رمضان تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في بعض الأزمان، وتارة يفارقون شروطه، بالغفلة أو بالعصيان، فهؤلاء إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الآداب والاصطحاب، فالمفارقون لا يودعون ولا هم مجتمعون، وإنما الوداع لمن كان مرافقا وموافقا في مقتضى العقول والألباب وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم في حال حسن صحبته، فلهم أن يودعوه على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته، وأن يستغفروا ويندموا على ما فرطوا فيه من إضاعة شروط الصحبة والوفاء، ويبالغوا عند الوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه بوقت من الأوقات بالجفاء.
وطبقة ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام، لأنه كان يقطعهم عن عاداتهم في التهوين، ومراقبة علام الغيوب فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل من القرب من دارهم، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله، ولا يلتفت إلى ما يتضمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم.
أقول: فلا تكن أيها الانسان ممن نزل به ضيف غني عنه، وما نزل به ضيف مذ سنة أشرف منه وقد حضر للانعام عليه، وحمل إليه معه تحف السعادات، و شرف العنايات، وما لا يبلغه وصف المقال من الآمال والاقبال، فأساء مجاورة هذا الضيف الكريم، وجفاه وهون به، وعامله معاملة المضيف اللئيم، فانصرف الضيف الكريم ذاما لضيافته، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته، أو في عار تأسفه وندامته، فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة، والرأفة والأمن من المخافة، أو كن لا له ولا عليه فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الأدب عليه، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة، وتشهرها بالفضايح والنقصان، في ديوان الملوك والأعيان، الذين ظفروا بالأمان والرضوان.
أقول: واعلم أن وقت الوداع لشهر الصيام رويناه عن أحد الأئمة عليهم