بخلقه على ضد مكابر، ولا ند مثاور، ما لسلطانه حد، ولا لملكه نفاد، تقدس بنور قدسه، دنا فعلا، وعلا فدنا، فله الحمد حمدا ينتهي من سمائه إلى ما لا نهاية له في اعتلائه، حسن فعاله، وعظم جلاله، وأوضح برهانه، فله الحمد زنة الجبال ثقلا، وعدد الماء والثرى، وعدد ما يرى وما لا يرى، الحمد لله الذي كان إذا لم تكن أرض مدحية، ولا سماء مبنية، ولا جبال مرسية، ولا شمس تجري، ولا قمر يسري، ولا ليل يدحي، ولا نهار يضحي، اكتفى بحمده عن حمد غيره، الحمد لله الذي تفرد بالحمد ودعا به، فهو ولي الحمد ومنشئه وخالقه وواهبه، ملك فقهر، وحكم فعدل، وأضاء فاستنار، هو كهف الحمد وقراره، ومنه مبتداه، و إليه منتهاه، استخلص الحمد لنفسه، ورضي به ممن حمده، فهو الواحد بلا نسبة الدائم بلا مدة، المنفرد بالقوة، المتوحد بالقدرة، لم يزل ملكه عظيما ومنه قديما وقوله رحيما، وأسماؤه ظاهرة، رضي من عباده بعد الصنع أن قالوا " الحمد لله رب العالمين ".
والحمد لله مثل جميع ما خلق وزنته وأضعاف ذلك أضعافا لا تحصى، على جميع نعمه، وعلى ما هدانا وآتانا وقوانا بمنه على صيام شهرنا هذا، ومن علينا بقيام بعض ليله، وآتانا ما لم نستأهله ولم نستوجبه بأعمالنا، فلك الحمد اللهم ربنا فأنت مننت علينا في شهرنا هذا بترك لذاتنا، واجتناب شهواتنا، وذلك من منك علينا لا من مننا عليك، ربنا فليس أعظم الامرين علينا نحول أجسامنا ونصب أبداننا، ولكن أعظم الامرين وأجل المصائب عندنا أن خرجنا من شهرنا هذا محتقبين الخيبة، محرومين، قد خاب طمعنا وكذب ظننا، فيا من له صمنا، و وعده صدقنا، وأمره اتبعنا، وإليه رغبنا، لا تجعل الحرمان حظنا، ولا الخيبة جزاءنا، فإنك إن حرمتنا، فأهل ذلك نحن لسوء صنيعنا، وكثرة خطايانا، و إن تعف عنا ربنا وتقض حوائجنا، فأنت أهل ذلك مولانا، فطالما بالعفو عند الذنوب استقبلتنا، وبالرحمة لدى استيجاب عقوبتك أدركتنا، وبالتجاوز والستر عند ارتكاب معاصيك كافيتنا وبالضعف والوهن وكثرة الذنوب والعود فيها عرفتنا