رسائل الشهيد الثاني (ط.ق) - الشهيد الثاني - الصفحة ٣١٨
فلابد وان يدوم إلى أجل قدره الله تعالى فلا حيلة في رفعه وإن كانت النعمة قد حصلت لسعيه من علم أو عمل فلا حيلة في دفعه أيضا بل ينبغي ان تلوم أنت نفسك حيث يسعى وقعدت وشمر وكسلت وسهر ونمت وكان حالك كما قيل هلا سعوا سعى الكرام فادركوا أو سلموا لمواقع الاقدار ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود من ضرر في الدنيا ولا كان عليه اثم في الآخرة ولعلك تقول ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي وهذا غاية الجهل و الغباوة فإنه بلاء تشهيه أولا لنفسك فإنك لا تخلو أيضا من عدوك فلو كانت النعم تزول بالحسد لم يبق بالله عليك نعمة ولا على الخلق نعمة حتى نعمة الايمان لان الكفار يحسدون المؤمنين عليه قال الله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون الا أنفسهم وان اشتهيت ان تزول نعمة الغير عنه بحسدك ولا تزول عنك بحسد الغير فهذا غاية الجهل والغباوة فان كل واحد من حمقاء الحساد أيضا يشتهى ان يخص بهذه الخاصة ولست بأولى من غيرك فنعمة الله تعالى عليك في أن لم تزل نعمة عليك بحسد غيرك من النعم التي يجب عليك شكرها وأنت بجهلك تكرهها واما ان المحسود ينتفع به في الدين والدنيا فواضح إما منفعته في الدين فهو انه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه فهى هدايا تهديها إليه فإنك تهدى إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيمة مفلسا محروما عن النعمة كما خرجت في الدنيا عن النعمة فكأنك أردت زوال النعمة عنه فلم يزل نعمه كان عليك نقمه إذ وفقك للحسنات فنقلتها إليه فأضقت له نعمة إلى نعمة وأضقت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة إما منفعته في الدنيا فهو ان أهم اغراض الخلق مسائة الأعداء وغمهم وشقاوتهم وكونهم معذبين مغمومين فلا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد وغاية أماني أعدائك ان يكونوا في نعمة وأن يكون في غم وحسرة بسببهم وقد فعلت
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»
الفهرست