التلف، والغنيمة في المنقلب، إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله (1) ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب (2) من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة، يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد، وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم، واعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة، فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدء العباد بالغضب قبل أن يغضبوه، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى، وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه.
وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون (3) فأوردوهم الهوى، وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا (4) فالأمة يصدرون عن أمر