قال: فخرجت من عنده وعسكرت، وقام معاوية وندب الناس إلى ذلك، فما مرت بي ثلاثة حتى خرجت في ستة آلاف، ثم لزمت شاطئ الفرات فأسرعت السير حتى مررت بهيت، فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات، فمررت بها وما بها عريب. (1) كأنها لم تحلل قط فوطئتها حتى مررت بصندوداء، فتنافروا فلم ألق بها أحدا، فمضيت حتى أفتتح الأنبار وقد أنذروا بي، فخرج إلي صاحب المسلحة فوقف لي، فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم: خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة، ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلى الكوفة ولا ندري الذي يكون فيها قد يكون مائتي رجل. قال: فنزلت فكتبت أصحابي كتائب، ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة، فيقاتلونهم والله ويصبرون لهم ويطاردونهم في الأزقة! فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل، فلما مشت إليهم الرجال وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلا قليلا حتى تفرقوا وقتل صاحبهم في رجال من أصحابه، فأتيناه في نيف وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثم انصرفت، فوالله ما غزوت غزوة أسلم ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها، وبلغني والله أنها أفزعت الناس. فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث على وجهه قال: كنت والله عند ظني بك. قال: فوالله ما لبثنا إلا يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتون على الإبل هرابا من قبل علي عليه السلام.
وعن جندب بن عفيف قال: والله إني لفي جند الأنبار مع أشرس بن حسان البكري، إذ صبحنا سفيان في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا، فلم يلقهم نصفنا ولم يكن لنا بهم طاقة. وأيم الله لقد قاتلناهم ثم إنهم