لا إله إلا الله لا شريك له ليس معه إله غيره، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله.
أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم علي اباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوازن.
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى * فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد بيان: الخطب الامر العظيم. والفادح: الثقيل.
وقال الجوهري: المجرب الذي قد جربته الأمور وأحكمته فإن كسرت الراء جعلته فاعلا إلا أن العرب تكلمت به بالفتح. قوله عليه السلام:
" ونخلت " أي أخلصت وصفيت من نخلت الدقيق بالمنخل. قوله عليه السلام: " لو كان يطاع... " يطاع هو مثل يضرب لمن خالف ناصحه وأصل المثل أن قصيرا كان مولى لجذيمة بن الأبرش بعض ملوك العرب وقد كان جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة فبعثت إليه ليتزوج بها خدعة وسألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك وخرج في ألف فارس وخلف باقي جنوده مع ابن أخته وقد كان قصير أشار عليه بأن لا يتوجه إليها فلم يقبل فلما قرب الجزيرة استقبلته جنود الزبا بالعدة ولم ير منهم إكراما له فأشار عليه قصير بالرجوع وقال: من شأن النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها قتلته فعندها قال قصير: لا يطاع لقصير أمر. فصار مثلا لكل ناصح عصى.
وقال ابن ميثم: وقد يتوهم أن جواب لو هاهنا مقدم والحق أن جوابها محذوف والتقدير: إني أمرتكم ونصحت لكم فلو أطعتموني لفعلتم ما أمرتكم به.
قوله عليه السلام: " فأبيتم " إلى آخره في تقدير استثناء لنقيض التالي وتقديره: لكنكم أبيتم علي إباه المخالفين انتهى.